للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إليها وعشقه لها، وأنه لا يعتاض عنها بغيرها، فإنها حينئذ تتحكم فيه بحكم السيد القاهر الظالم في عبده المقهور؛ الذى لا يستطيع الخلاص منه، بل أعظم؛ فإن أسر القلب أعظم من أسر البدن، واستعباد القلب أعظم من استعباد البدن، فإن من استُعبِد بدنه واستُرق وأُسر لا يبالى إذا كان قلبه مستريحًا من ذلك مطمئنًا، بل يمكنه الاحتيال في الخلاص.

وأمَّا إذا كان القلب- الذي هو مَلِكُ الجسم- رقيقًا مستعبدًا، متيَّمًا لغير الله؛ فهذا هو الذل والأسر المحض والعبودية الذَّليلة لما استعبد القلب.

وعبودية القلب وأسره هي التي يَترتب عليها الثواب والعقاب، فإن المسلم لو أسره كافر أو استرقه فاجر بغير حق لم يضره ذلك، إذا كان قائمًا بما يقدر عليه من الواجبات، ومَن استُعبد بحقٍّ إذا «أدَّى حقَّ الله وحقَّ مَوَاليه فله أجران» (١)، ولو أُكره على التكلم بالكفر فتكلم به وقلبه مطمئن بالإيمان- لم يضره ذلك. وأمَّا مَنْ استُعبد قلبه صار عبدًا لغير الله، فهذا يضرُّه ذلك، ولو كان في الظاهر مَلكَ النَّاس».

قوله: «أَفْضِل على مَنْ شئت تكن أميره»، هذا كما قيل: الإنسان أسير الإحسان.

وكما قال أبو الفتح البستي:

أَحْسِنْ إلى النَّاسِ تَسْتَعبِدْ قلوبَهمُ … فطالما استعبدَ الإنسانَ إِحسانُ (٢)


(١) أخرج مسلم (١٦٦٦) عن أبي هريرة ?، قال: قال رسول الله : «إذا أدَّى العبدُ حقَّ الله وحَقَّ مَواليه، كان له أجران».
(٢) انظر: «قصائد من عيون الشعر» (ص ٣٦).

<<  <   >  >>