إذا أحسنت إلى الإنسان كأنَّك استعبدته، ولذلك إذا وجدت نفرة من إنسان فأحسن إليه، فسرعان ما تكون كأنك أميرٌ عليه، وقد قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾ [فصلت: ٣٤، ٣٥].
وفي المقابل لو احتجت إلى أحد فستكون كأنك أسيره، أو كأنك خادم له، ولذا ينبغي للإنسان أن يستغني عمَّا في أيدي الناس، وأن يترفع عنها، خاصة في أمور الدنيا؛ لأنها إن كانت مقدرة للعبد فستأتيه لا محالة، وإن كانت غير مُقَدَّرة فلن تأتي؛ مهما استجدى غيره ومهما ذلَّ له.
وعليه فطمع العبد في ربِّه ورجاؤه له يُوجب عبوديته له.
وأمَّا إعراض القلب عن سؤال الله ورجائه له فيوجب انصراف قلبه عن عبودية الله ﷿، وهذه طامَّة كبرى؛ لأن صلاح القلب صلاح للجسد كله، وفساد القلب فساد للجسد كله.
ومن يركن إلى رئاسته وجنوده وأتباعه ومماليكه، أو إلى أهله وأصدقائه، أو إلى أمواله وذخائره، أو إلى سادته وكبرائه- يكون طمعه ورجاؤه فيهم، وليس في الله ﷿، فتستعبده هذه الأشياء، وإن كان رئيسًا أو مَلِكًا في الظاهر إلا أنه لحاجته إليهم فهو مرءوس؛ لأنهم في الحقيقة هم الذين يُسيرون له الأمور ويُوجهونه، وصار يخشاهم، بدل أن يخشوه، وأصبح مُلكه مسخرًا لهم؛ فيحصلون على أموال الناس بالباطل، ويظلمونهم، ونحو ذلك، ولا يستطيع أن يَمنعهم؛ حتى لا ينصرفوا عنه، أو يَمكروا به؛ فهذا في الحقيقة استرقاق واستعباد له وإن كان في الظاهر أنه أميرهم ومُدبر أمورهم.