للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الواجِد حلاوة الإِيمَان، تتبع كَمَال محبَّة العَبْد لله، وذَلِكَ بِثَلَاثَة أُمُور: تَكْمِيل هَذِه المحبَّة وتفريقها، ودفع ضدها. فتكميلها: أَنْ يكون الله ورَسُوله أحبّ إِلَيْهِ مِمَّا سواهُمَا، فَإِنْ محبَّة الله ورَسُوله لَا يكْتَفى فِيهَا بِأَصْل الحبّ، بل لا بد أَنْ يكون الله ورَسُوله أحب إِلَيْهِ مِمَّا سواهُمَا كَمَا تقدم.

وتفريقها: أَنْ يحب المَرْء لَا يُحِبهُ إِلَّا لله، ودفع ضدها: أَنْ يكره ضد الإِيمَان أعظم من كَرَاهَته الإِلقَاء فِي النَّار.

فَإِذا كَانَتْ محبَّة الرَّسُول والمُؤمنِينَ من محبَّة الله، وكَانَ رَسُول الله يحب المُؤمنِينَ الَّذين يُحِبُّهُمْ الله؛ لِأَنَّهُ أكمل النَّاس محبَّة لله، وأحقهم بِأَنْ يحب مَا يُحِبهُ الله، ويبغض مَا يبغضه الله، والخلة لَيْسَ لغير الله فِيهَا نصيب، بل قَالَ: «لَو كنتُ متخذًا من أهل الأَرْض خَلِيلًا لاتَّخذت أَبَا بكر خَلِيلًا» (١) - علم مزِيد مرتبَة الخلَّة على مُطلق المحبَّة.

والمَقْصُود: هُو أَنْ الخلَّة والمحبة لله: تَحْقِيق عبوديته، وإِنَّمَا يغلط من يغلط فِي هَذِه من حَيْثُ يتوهمون أَنَّ العُبُودِيَّة مُجَرّد ذلٍّ وخضوع فَقَط، لَا محبَّة مَعَه، وأَن المحبَّة فِيهَا انبساط فِي الأَهْواء أَوْ إدلال لَا تَحتمله الربوبية، ولِهَذَا يُذكر عَنْ ذِي النُّون: أَنهم تكلمُوا عِنْده فِي مَسْأَلَة المحبَّة؛ فَقَالَ: «أَمْسكُوا عَنْ هَذِه المَسْأَلَة لَا تسمعها النُّفُوس فتدَّعيها».

وكره مَنْ كره مِنْ أهل المعرفَة والعلم مجالسة أَقوام يُكثرون الكَلَام فِي المحبَّة بِلَا خشيَة.

وقَالَ مَنْ قَالَ مِنْ السّلف: «مَنْ عَبد الله بالحبِّ وحده فَهُو


(١) أخرجه مسلم (٥٣٢) من حديث جندب ?، وقد تقدم.

<<  <   >  >>