للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

زنديق (١)، ومَن عَبده بالرجاء وحده فَهُو مُرجئ (٢)، ومَن عَبده بالخوف وحده فَهُو حروريٌّ (٣)، ومَن عَبده بالحب والخَوْف والرجاء فَهُو مُؤمن موحد».

ولِهَذَا وجد فِي المُتَأَخِّرين مَنْ انبسط فِي دَعْوى المحبَّة، حَتَّى أخرجه ذَلِك إِلَى نوع من الرعونة والدَّعْوى الَّتِي تنَافِي العُبُودِيَّة، وتُدْخل العَبْد فِي نوع من الربوبية الَّتِي لَا تَصلح إِلَّا لله؛ فيدعي أحدهم دعاوى تتجاوز حُدُود الأَنْبِيَاء والمُرْسلِينَ، أَوْ يَطْلب من الله مَا لَا يَصلح بِكُل وجه إِلَّا لله، لَا يصلح للأنبياء ولَا للمرسلين.

وهَذَا بَاب وقع فِيهِ كثير من الشُّيُوخ. وسَببه: ضعف تَحْقِيق العُبُودِيَّة الَّتِي بيَّنها الرُّسُل، وحَرَّرها الأَمر والنَّهْي الَّذِي جَاءُوا بِهِ، بل ضعف العقل الَّذِي بِهِ يعرف العَبْد حَقِيقَته. وإِذا ضعف العقل، وقلص العلم بِالدِّينِ، وفِي النَّفس محبَّة طائشة جاهلة- انبسطت النَّفس بحمقها فِي ذَلِك، كَمَا ينبسط الإِنْسَان فِي محبَّة الإِنْسَان مَعَ حمقه وجهله، ويَقُول: أَنا محب، فَلَا أؤاخذ بِمَا أَفعلهُ من أَنْواع يكون فِيهَا عدوان وجَهل، فَهَذَا عين الضلال، وهُو شَبيه بقول اليَهُود والنَّصَارَى: ﴿نَحن أَبنَاء الله وأحباؤه﴾ [المَائِدَة: ١٨]، قَالَ الله تَعَالَى: ﴿قل فَلم يعذبكم بذنوبكم بل أَنْتُم بشر مِمَّنْ خلق يغْفر لمن يَشَاء ويعذب من يَشَاء﴾ [المَائِدَة: ١٨]، فَإِنْ تعذيبه لَهُمْ بِذُنُوبِهِمْ يَقْتَضِي أَنهم غير محبوبين، ولَا منسوبين إِلَيْهِ بِنسَبة البُنُوة، بل يَقْتَضِي أَنهم مربوبون مخلوقون.


(١) الزنديق: هو من يبطن الكفر، ويُظهر الإيمان مع الدسِّ الخفي.
(٢) المرجئة: فرقة من الفرق يعتقدون آراء مخالفة لأهل السنة والجماعة؛ من أشهرها: أنه لا يضر مع الإيمان معصية، كما لا ينفع مع الكفر طاعة.
(٣) الحرورية: هم الذين خرجوا على عليٍّ ? من جيشه بسبب قبوله التحكيم بينه وبين معاوية ?، وقد حاربوا عليًّا ? عند قرية اسمها (حروراء) في العراق.

<<  <   >  >>