للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فَمن كَانَ الله يُحِبُّهُ اسْتَعْملهُ فِيمَا يُحِبهُ، ومَحبوبه لَا يفعل مَا يُبغضه الحق ويُسخطه؛ من الكفْر والفسوق والعصيان.

ومَن فعل الكَبَائِر وأصرَّ عَلَيْهَا ولم يَتب مِنْهَا، فَإِنَّ الله يُبغض مِنْهُ ذَلِك، كَمَا يحب مِنْهُ مَا يَفْعَله من الخَيْر، إِذْ حبه للعَبد بِحَسب إيمَانه وتقواه.

ومَن ظن أَنْ الذُّنُوب لَا تضرُّه لكَون الله يُحِبهُ مَعَ إصراره عَلَيْهَا- كَانَ بِمَنْزِلَة من زعم أَنْ تنَاول السم لَا يضرّهُ مَعَ مداومته عَلَيْهِ، وعدم تداويه مِنْهُ لصِحَّة مزاجه، ولَو تدبر الأحمق مَا قصَّ الله فِي كِتَابه من قصَص أنبيائه، ومَا جرى لَهُمْ من التَّوْبَة والِاسْتِغْفَار، ومَا أصيبوا بِهِ من أَنْواع البلَاء الَّذِي فِيهِ تمحيص لَهُمْ وتطهير بِحَسب أَحْوالهم- علم بعض ضَرَر الذُّنُوب بأصحابها، ولَو كَانَ أرفع النَّاس مقَامًا، فَإِنْ المُحب للمخلوق إِذا لم يكن عَارِفًا بمحابِّه ولَا مرِيدًا لَهَا، بل يَعْمل بِمُقْتَضى الحبّ وإِن كَانَ جهلًا وظلمًا- كَانَ ذَلِك سَببًا لِبُغْض المحبوب لَهُ، ونُفوره عَنهُ، بل سَببًا لعقوبته».

خلق الله الخلق لعبادته الجامعة لكمال محبته، مع الخضوع له والانقياد لأمره.

فأصل العبادة: محبة الله، بل إفراده بالمحبة، وأن يكون الحب كله لله، فلا يحب معه سواه، وإنما يحب لأجله وفيه، كما يحب أنبياءه ورسله وملائكته وأولياءه، فمحبتنا لهم من تمام محبته، وليست محبة معه، كمحبة من يتخذ من دون الله أندادًا يحبونهم كحبه. وإذا كانت المحبة له هي حقيقة عبوديته وسرها، فهي إنما تتحقق باتباع أمره واجتناب نهيه، فعند اتباع الأمر واجتناب النهي

<<  <   >  >>