للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالعبد لا بد له من رزق، وهو محتاج إلى ذلك، فإذا طلب رزقه من الله صار عبدًا لله، فقيرًا إليه، وإذا طلبه من مخلوق صار عبدًا لذلك المخلوق فقيرًا اليه.

ولهذا كانت مسألة المخلوق محرمة في الأصل، وإنَّما أُبيحت للضرورة، وفى النَّهي عنها أحاديث كثيرة في الصِّحاح والسُّنن والمسانيد؛ كقوله : «لا تزالُ المسألةُ بأحدكم حتَّى يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مُزعة لحم (١)» (٢)، وقوله: «مَنْ سأل الناس وله ما يُغنيه جاءت مسألته يوم القيامة خدوشًا- أو خموشًا أو كدوحًا (٣) - في وجهه» (٤)، وقوله: «لا تَحِلُّ المسألة إلا لذي غُرم مُفظع، أو دم مُوجِع، أو فَقر مُدْقِع» (٥).

وهذا المعنى في «الصَّحيح»، وفيه أيضًا: «لِأَنْ يَأخذ أحدُكم حبلَه فيذهب فيحتطب خير له من أن يسأل الناس؛ أعطَوه أو


(١) أي: قطعة لحم يسيرة؛ علامة على ذُلِّه بالسؤال.
(٢) أخرجه البخاري (١٤٧٤) ومسلم (١٠٤٠) من حديث عبد الله بن عمر .
(٣) قال الملا علي القاري في «مرقاة المفاتيح» (٤/ ١٣١٣) في بيان معاني هذه الكلمات: «ألفاظ متقاربة المعاني: جمع خمش وخدش وكدح، ف «أو» هنا إمَّا لشك الراوي؛ إذ الكل يُعرب عن أثر ما يَظهر على الجلد واللحم من ملاقاة الجسد ما يقشر أو يُجرح، ولعل المراد بها: آثار مُستنكرة في وجهه حقيقة، أو أمارات؛ ليُعرف ويشتهر بذلك بين أهل الموقف، أو لتقسيم منازل السائل؛ فإنَّه مُقِلُّ، أو مُكثر، أو مُفرط في المسألة، فذكر الأقسام على حسب ذلك، والخمش أبلغ في معناه من الخدش، وهو أبلغ من الكدح؛ إذ الخمش في الوجه، والخدش في الجلد، والكدح فوق الجلد. وقيل: الخدش: قشر الجلد بِعُودٍ. والخمش: قَشره بالأظفار. والكدح: العض، وهي في أصلها مصادر، لكنها لما جُعلت أسماء للآثار جُمِعت».
(٤) أخرجه أبو داود (١٦٢٦)، والترمذي (٦٥٠)، من حديث عبد الله بن مسعود ?، وصححه الألباني في «صحيح أبي داود» (١٤٣٨).
(٥) أخرجه أحمد (١٢١٥٥)، وأبو داود (١٦٤١) من حديث أنس ?، وضعفه الألباني في «تخريج مشكلة الفقر» (٤١).

<<  <   >  >>