وأمَّا النَّوْع الثَّانِي: فَهُو الفناء عَنْ شُهُود السِّوى، وهَذَا يحصل لكثير من السَّالكين؛ فَإِنَّهُم لفرط انجذاب قُلُوبهم إِلَى ذكر الله وعبادته ومحبته وضعف قُلُوبهم عَنْ أَنْ تَشهد غير مَا تعبد، وترى غير مَا تقصد- لَا يخْطر بقلوبهم غير الله، بل ولَا يَشْعُرُونَ إِلَّا بِهِ، كَمَا قيل فِي قَوْله تَعَالَى: ﴿وأصْبح فؤاد أم مُوسَى فَارغًا إِنْ كَادَت لتبدي بِهِ لَوْلَا أَنْ ربطنا على قَلبهَا﴾ [القَصَص: ١٠]، قَالُوا: فَارغًا من كل شَيْء إِلَّا من ذكر مُوسَى. وهَذَا كثيرًا مَا يعرض لمن دهمه أَمر من الأُمُور؛ إِمَّا حب، وإِمَّا خوف، وإِمَّا رَجَاء؛ يبْقى قلبه منصرفًا عَنْ كل شَيْء، إِلَّا عَمَّا قد أحبَّه أَوْ خافه أَوْ طلبه؛ بِحَيْثُ يكون عِنْد استغراقه فِي ذَلِك لَا يشْعر بِغَيْرِهِ.