للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عَنْ الخلق نظرًا وقَصدًا، وهُو نَظِير النَّوْع الثَّانِي من الفناء.

ولَكِن بعد ذَلِك الفرق الثَّانِي، وهُو أَنْ يشْهد أَنْ المَخْلُوقَات قَائِمَة بِاللهِ، مدبرة بأَمْره، ويشْهد كثرتها مَعْدُومَة بوحدانية الله ، وأَنه سُبْحَانَهُ رب المصنوعات وإلهها وخالقها ومالكها؛ فَيكون- مَعَ اجْتِمَاع قلبه على الله إخلاصًا ومحبة وخوفًا ورجاء واستعانة وتوكلًا على الله وموالاة فِيهِ ومعاداة فِيهِ وأمثال ذَلِك- نَاظرًا إِلَى الفرق بَين الخَالِق والمخلوق مُمَيِّزًا بَين هَذَا وهَذَا، يشْهد تفَرُّق المَخْلُوقَات وكَثْرَتهَا، مَعَ شَهَادَته أَنَّ الله رب كل شَيْء ومليكه وخالقه، وأَنه هُو الله لَا إِلَه إِلَّا هُو.

وهَذَا هُو الشُّهُود الصَّحِيح المُسْتَقيم، وذَلِكَ واجِب فِي عِلم القلب وشهادته وذِكره ومعرفته، وفِي حَال القلب وعبادته وقصده وإرادته ومحبته وموالاته وطاعته.

وذَلِكَ تَحْقِيق شَهَادَة أَنْ لَا إِلَه إِلَّا الله؛ فَإِنَّهَا تَنْفِي عَنْ قلبه ألوهية مَا سوى الحق، وتُثبت فِي قلبه ألوهية الحق.

فَيكون نافيًا لألوهية كلِّ شَيْء من المَخْلُوقَات مثبتًا لألوهية ربِّ العَالمين ورب الأَرْض والسَّمَاوات، وذَلِكَ يتَضَمَّن اجْتِمَاع القلب على الله، وعَلى مُفَارقَة مَا سواهُ؛ فَيكون مفرقًا فِي علمه وقصده، فِي شَهَادَته وإرادته، فِي مَعْرفَته ومحبته: بَين الخَالِق والمخلوق؛ بِحَيْثُ يكون عَالمًا باللهِ تَعَالَى، ذَاكِرًا لَهُ، عَارِفًا بِهِ. وهُو مَعَ ذَلِك عَالم بمباينته لخلقه وانفراده عَنْهُم وتوحده دونهم، ويكون محبًّا لله مُعظمًا لَهُ عابدًا لَهُ راجيًا لَهُ خَائفًا مِنْهُ محبًّا فِيهِ مواليًا فِيهِ معاديًا فِيهِ مستعينًا بِهِ متوكلًا عَلَيْهِ، مُمْتَنعًا عَنْ عبَادَة غَيره والتوكل عَلَيْهِ والاستعانة بِهِ

<<  <   >  >>