للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الشرعيين، فقالوا: الإيمان: قول واعتقاد وعمل.

وهؤلاء المتصوفة: أثبتوا القضاء والقدر، ولكن نفوا الأمر والنهي في حقِّ مَنْ شَهِد القَدَر.

فعندهم إذا وصل الواحد منهم إلى مرحلة الشهود، فعند ذلك لا أمر ولا نهي عليه.

ولمَّا لم يُمكنهم نفي ذلك مطلقًا، أبقوه للعوام كأمر ونهي، وأسقطوه عن الخواص.

فإذن: قول هؤلاء شر من قول المعتزلة، لأن إسقاط الأوامر والنواهي إسقاط للدِّين، وإذا أسقطت شعائر الدين الظاهرة .. ماذا يبقى من حال الأمة؟!

قال المصنف: «لهذا لم يكن في السلف من هؤلاء أحد»، أي: لم يقل أحد من السلف بقول هؤلاء، الذين يجعلون الأمر والنهي للمَحجوبين عن الكشف والشهود. وهذا فيه احتقار وتقليل للأمر والنهي، وبالتالي أصبحت العبادات في نظرهم دينًا للعوام، ويقولون: أنتم أهل الشريعة، ونحن أهل الحقيقة، وأنتم العوام ونحن الخواص، وأنتم الذين حجبتم، ونحن الذين شهدنا!

وهذا ما يُبررون به باطلهم.

ولذلك ما أصبح للأمر والنهي أي وزن- أو قيمة- في نفوس هؤلاء، وقال عنهم المصنف: «ولهذا يجعلون مَنْ وصل إلى شهود هذه الحقيقة يَسقط عنه الأمر والنهي، ويقولون: إنه صار من الخاصَّة، وربما تأولوا على ذلك قول الله تعالى: ﴿واعبد ربك حتى يأتيك اليقين﴾ [الحجر: ٩٩]»، وفسَّروا اليقين بالحقيقة الكونية، فقالوا: إذا وصلت إلى مرحلة الشهود سقطت عنك التكاليف.

* * *

<<  <   >  >>