للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تخفى على صاحبها» (١).

فالنفس قد تميل إلى الترأس وإلى التصدر، وإلى أن يكون لها منزلة ومكانة بين الناس، فعلى الإنسان أن يَعلم أن هذا الأمر فيه مَفسدة وشر على نفسه؛ فلا يستشرف إليه ولا يطلبه، وكما جاء في الحديث المنع من هذه الأمور، فإن الإنسان لا يَنبغي أن يسألها، وإن كان العلماء قد فَصَّلوا في هذا، كما كان حال يوسف ؛ حين قال للمَلِك: ﴿اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ﴾ [يوسف: ٥٥].

لكن في حاصل الأمر: أن الإنسان لا يسأل هذه الرئاسة ولا يَطلبها، وخاصة إذا كان فيه من الضعف ما لا يستطيع معه تحمل أعبائها، ولكن تبقى عنده نوازع إليها في نفسه، فالواجب عليه أن يَكبح جماحها، وأن لا تكون الرئاسة غاية مقصودة لذاتها، وأمَّا إذا ابتلي بها العبد من غير طلب منه- فسَيُعان عليها؛ فعن عبد الرحمن بن سمرة ?، قال: قال لي رسول الله : «يا عبدَ الرَّحمن بن سَمُرة، لا تسأل الإمارة؛ فإن أُعطيتها عن مَسألة وُكِلت إليها، وإن أُعطيتها عن غير مسألة أُعِنت عليها» (٢).

وهذا أمر كوني قدري قد يَبتلي اللهُ ﷿ العبدَ به؛ قال الله تعالى: ﴿قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء﴾ [آل عمران: ٢٦].

واعلم أنَّ غالب هؤلاء الذين هم في الرئاسات يعيشون في كدر؛ حتى تَفنى أعمارُهم، ولا يجدون طعمًا للراحة؛ فالرئاسة جعلتهم في الحقيقة محكومين وليس حاكمين؛ لما يتحملونه من أعباء


(١) «مجموع الفتاوى» (١٦/ ٣٤٦).
(٢) أخرجه البخاري (٧١٤٧) ومسلم (١٦٥٢).

<<  <   >  >>