للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وما أجمل ما قاله ابن القيم في «الطب النبوي» عند الحديث عن هديه في علاج العِشق! إذ قال ابن القيم : «وعشق الصور إنما تُبتلى به القلوب الفارغة من محبة الله تعالى، المُعرضة عنه، المتعوِّضة بغيره عنه، فإذا امتلأ القلب من محبة الله والشوق إلى لقائه، دفع ذلك عنه مرضَ عِشق الصور، ولهذا قال تعالى في حقِّ يوسف: ﴿كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ والفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المُخْلَصِينَ﴾ [يوسف: ٢٤]، فدل على أن الإخلاص سبب لدفع العشق وما يترتب عليه من السُّوء والفحشاء التي هي ثمرته ونتيجته، فصرفُ المسبَّب صرفٌ لِسببه، ولهذا قال بعض السلف: العِشق حركة قلبٍ فارغ، يعني: فارغًا ممَّا سِوى مَعشوقه …

والعشق مركَّبٌ من أمرين: استحسان للمعشوق، وطمع في الوصول إليه، فمتى انتفى أحدُهما انتفى العشق، وقد أَعْيَت علةُ العشق على كثير من العقلاء، وتكلم فيها بعضهم بكلام يُرْغَب عن ذكره إلى الصَّواب» (١).

ثم قال: «والمقصود: أنَّ العشق لما كان مرضًا من الأمراض، كان قابلًا للعلاج، وله أنواع من العلاج، فإن كان مما للعاشق سبيلٌ إلى وصل محبوبه شرعًا وقَدَرًا، فهو علاجه، كما ثبت في «الصَّحيحين» من حديث ابن مسعود ? قال: قال رسول الله : «يا معشر الشباب، مَنْ استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومَن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنَّه له وجاء» (٢)، فدلَّ المحبَّ على علاجين:

أصلي وبَدَلي، وأمره بالأصلي: وهو العلاج الذي وُضع لهذا


(١) «الطب النبوي» (ص ٢٠١، ٢٠٢).
(٢) أخرجه البخاري (٥٠٦٥) ومسلم (١٤٠٠) من حديث عبد الله بن مسعود ?.

<<  <   >  >>