للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عند الله الرزق﴾ [العنكبوت: ١٧] (١)، ولم يقل: فابتغوا الرزق عند الله؛ لأنَّ تقديم الظرف يُشعر بالاختصاص والحصر، كأنَّه قال: لا تَبتغوا الرزق إلا عند الله، وقد قال تعالى: ﴿واسألوا اللهَ مِنْ فضله﴾ [النساء: ٣٢]».

يشير المصنف إلى أن الإنسان باستسلامه لأهوائه ورغباته- فإنه يكون أسيرًا لها، وهذا يضرُّه دنيويًّا وأُخرويًّا.

وإن ترك نفسَه بدون معالجة فإن هذا المرض سيستفحل إلى أن يهلكه،

فعلى العبد أن ينظر إلى قلبه وما وَقَرَ فيه؛ هل هي عبودية الله ﷿؟ أم عبودية الماديات؟

ولهذا قيل: العبد حُرٌّ ما قنع؛ إذ القناعة من أهم الأمور التي يُرزقها العبد، بحيث تَقنع نفسه بما قسم الله له، فيعلم أنَّ رزقه مقسوم، وكما يقال في المَثَل: «القناعة كنز لا يَفنى»، فإذا كان العبد قنوعًا بما قسم الله له راضيًا به ارتاح باله، واطمأنت نفسه.

وكذلك الحر عبد ما طمع؛ فالطمع هو الذي يجعل الإنسان مستعبَدًا لهذه الشهوات، فإذا أخذ يَطلبها ويسعى بكل جهده ليحصل عليها، فهذا طمع يؤدي به إلى عبودية الشيء الذي يطمع فيه، كما قال القائل:

أطعت مطامعي فاستعبدتني *** ولو أني قنعت لكنت حرًّا

ولقد حثَّ النبيُّ على القناعة، وبيَّن أنها طريق إلى السعادة


(١) جاء هذا في دعوة الخليل إبراهيم لقومه؛ قال تعالى: ﴿وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [العنكبوت: ١٧].

<<  <   >  >>