للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَجعل الإيتاء لله ولِلرَّسُولِ، كَمَا قَالَ: ﴿ومَا آتَاكُم الرَّسُول فَخُذُوهُ ومَا نهاكم عَنهُ فَانْتَهوا﴾ [الحَشْر: ٧]، وجعل التَّوكُّل على الله وحده بقوله: ﴿وقَالُوا حَسبنَا الله﴾ [التوبة: ٥٩]، ولم يقل: ورَسُوله- كَمَا قَالَ فِي وصف الصَّحَابَة فِي الآيَة الأُخْرَى: ﴿الَّذين قَالَ لَهُمْ النَّاس إِنْ النَّاس قد جمعُوا لكم فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُم إِيمَانًا وقَالُوا حَسبنَا الله ونعم الوكِيل﴾ [آل عمرَان: ١٧٣]، ومثله قَوْله: ﴿يَا أَيهَا النَّبِي حَسبك الله ومن اتبعك من المُؤمنِينَ﴾ [الأَنْفَال: ٦٤]، أَي: حَسبك وحسب المُؤمنِينَ، كَمَا قَالَ: ﴿أَلَيْسَ الله بكاف عَبده﴾ [الزمر: ٣٦]- ثمَّ قَالَ: ﴿سيؤتينا الله من فَضله ورَسُوله﴾ [التوبة: ٥٩]، فَجعل الإيتاء لله ولِلرَّسُولِ، وقدم ذكر الفضل لله؛ لِأَن ﴿الفضل بيد الله يؤتيه من يَشَاء والله ذُو الفضل العَظِيم﴾ [الحديد: ٢٩]، وله الفضل على رَسُوله وعَلى المُؤمنِينَ، وقَالَ: ﴿إِنَّا إِلَى الله راغبون﴾ [التوبة: ٥٩]؛ فَجعل الرَّغْبَة إِلَى الله وحده، كَمَا فِي قَوْله: ﴿فَإِذا فرغت فانصب * وإِلَى رَبك فارغب﴾ [الشَّرْح: ٧، ٨].

وقَالَ النَّبِي لِابْنِ عَبَّاس: «إِذا سَأَلت فاسأل الله، وإِذا استعنت فَاسْتَعِنْ باللهِ» (١)، والقُرْآنُ يدلُّ على مِثل هَذَا فِي غير مَوضِع.

فَجعل العِبَادَة والخشية والتَّقوى لله، وجعل الطَّاعَة والمحبة لله ورَسُوله، كَمَا فِي قَول نوح : ﴿أَنْ اعبدوا الله واتقوه وأطيعون﴾ [نوح: ٣]، وقَوله: ﴿ومن يطع الله ورَسُوله ويخش الله ويتقه فَأُولَئِك هم الفائزون﴾ [النُّور: ٥٢]، وأمثال ذَلِك.

فالرسل أمروا بِعِبَادَتِهِ وحده، والرَّغْبَة إِلَيْهِ، والتوكل عَلَيْهِ وطاعته، والطَّاعَة لَهُم، فأضَلَّ الشَّيْطَانُ النَّصَارَى وأشباهَهم؛ فأشركوا باللهِ وعصوا الرَّسُول، ف ﴿اتَّخذُوا أَحْبَارهم ورُهْبَانهمْ أَرْبَابًا من


(١) أخرجه أحمد (٢٦٦٩) والترمذي (٢٥١٦)، وصححه الألباني في «المشكاة» (٥٣٠٢).

<<  <   >  >>