والله سبحانه أرسل الرسل بأنه لا إله إلا هو؛ فتَخلو القلوب عن محبة ما سواه بِمَحَبَّته، وعن رجاء ما سواه برجائه، وعن سؤال ما سواه بسؤاله، وعن العمل لما سواه بالعمل له، وعن الاستعانة بما سواه بالاستعانة به (١).
فإذا كان أصلُ العمل الديني هو إخلاص الدين لله، وهو إرادة الله وحده فالشيء المراد لنفسه هو المحبوب لذاته، وهذا كمال المحبة، ولكن أكثر ما جاء المطلوب باسم العبادة؛ كقوله تعالى: ﴿ومَا خَلَقْتُ الجِنَّ والأِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: ٥٦]، وقوله: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ والَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ [البقرة: ٢١]، وأمثال هذا.
والعبادة تتضمن كمال الحب ونهايته، وكمال الذل ونهايته، فالمحبوب الذي لا يُعَظَّم ولا يُذَلُّ له لا يكون معبودًا، والمُعَظَّم الذي لا يُحَبُّ لا يكون معبودًا، ولهذا قال تعالى: ﴿ومِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ والَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا للهِ﴾ [البقرة: ١٦٥].
فبَيَّن- سبحانه- أنَّ المشركين بربهم الذين يتخذون من دون الله أندادًا وإن كانوا يُحبونهم كما يحبون الله، فالذين آمنوا أشدُّ حُبًّا لله منهم لله ولأوثانهم؛ لأنَّ المؤمنين أعلم بالله، والحب يَتبع العِلم، ولأن المؤمنين جعلوا جميع حُبِّهم لله وحده، وأولئك جعلوا بعضَ حُبِّهم لغيره، وأشركوا بينه وبين الأنداد في الحب، ومعلوم أن ذلك أكمل؛ قال تعالى: ﴿ضَرَبَ اللهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ ورَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الحَمْدُ للهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ﴾ [الزمر: ٢٩].