وأما النوع الآخر وهو (العبودية الاختيارية)؛ فهي العبودية التي يفعلها الإنسان عن اختيار وإرادة، ولو شاء لتركها.
وهذه العبودية لا تكون إلا من المكلفين الذين كلفهم الله ﷾ بالأمر والنهي؛ فهؤلاء هم الذين يعبدون الله ﷿، وهم المختارون لهذه العبادة عن رضا وطواعية.
ومن أجلها أرسل الله الرسل وأنزل الكتب؛ وقد قص القرآن أن جميع الرسل قالوا لقومهم: ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ [الأعراف: ٥٩]، أي: هو وحده المستحق للعبادة دون سواه، ولا يَقبل أن تُشركوا معه غيره فيها.
فهي التي يسمى بها الإنسان مؤمنًا، وبها ينجو من عذاب الآخرة، ويفوز بالنعيم في الجنة.
قال ابنُ أبي العِزِّ الحنفي ﵀:«وكذلك كان حال الأمم السالفة المشركين الذين كَذَّبوا الرسل. كما حكى الله تعالى عنهم في قصة صالح ﵇ عن التسعة الرهط الذين تَقاسموا بالله، أي: تحالفوا بالله؛ لنَبيتنَّه وأهله. فهؤلاء المفسدون المشركون تحالفوا بالله على قَتل نَبِيِّهم وأهلِه، وهذا بَيِّنٌ أنَّهم كانوا مؤمنين بالله إيمانَ المشركين.
فَعُلِم أنَّ التوحيدَ المطلوبَ هو توحيدُ الإلهيَّةِ، الذي يتضمن توحيد الربوبية؛ قال تعالى: ﴿فأقم وجهك للدين حنيفًا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون﴾ [الروم: ٣٠]» (١)