يوجب القصر حينئذ كأبي حنيفة، إلا لملاح يسافر في البحر ومعه أهله وأولاده، ومن لا وطن له وعادته السير أبداً .. فالأفضل لهما الإتمام كما في "الروضة" وغيرها، فإن لم يبلغها .. فالإتمام أفضل؛ لأنه الأصل، إلا في صلاة الخوف؛ فالقصر أفضل، وكذا في حق من وجد في نفسه كراهة القصر، بل يكره له الإتمام إلى أن تزول الكراهة، وكذا القول في سائر الرخص.
وخرج بما ذكره: الثنائية والثلاثية والنافلة والمنذورة؛ فلا تقصر إجماعاً، وفائت الحضر؛ فلا يقصر في السفر كالحضر، ولاستقرار الأربع في ذمته، وما شك في أنه فائتة سفر أو حضر؛ فلا يقصر احتياطاً؛ لان الأصل الإتمام، وأما خبر مسلم:«فرضت الصلاة في الحضر أربعاً، وفي السفر ركعتين، وفي الخوف ركعة» .. فمحمول على أن المراد: ركعة مع الإمام، وينفرد بالأخرى.
[المسافة التي يترخص المسافر فيها بالقصر]
والترخيص بالقصر؛ أي: ونحوه؛ إن قصد ستة عشر فرسخاً يقيناً أو ظناً ولو باجتهاد، ولخبر:(كان ابن عمر وابن عباس يقصران ويفطران في أربعة برد)، علقه البخاري بصيغة جزم، وأسنده البيهقي بسند صحيح، ومثله إنما يفعل عن توقيف، وهي ستة عشر فرسخاً؛ إذ كل بريد أربعة فراسخ، وكل فرسخ ثلاثة أميال، فهي ثمانية وأربعون ميلاً هاشمية؛ نسبة لبني هاشم وقت خلافتهم لا هاشم نفسه كما وقع للرافعي، والميل: أربعة آلاف خطوة، والخطوة ثلاثة أقدام، فهي اثنا عشر ألف قدم، وبالذراع ستة آلاف ذراع، والذراع، أربعة وعشرون إصبعاً معترضات، والإصبع: ست شعيرات معتدلات معترضات، والشعيرة: ست شعرات من شعر البرذون.
فمسافة القصر بالبرد: أربعة، وبالفراسخ: ستة عشر، وبالأميال: ثمانية وأربعون، وبالأقدام: خمس مئة ألف وستة وسبعون ألفاً، وبالأذرع: مئتا ألف وثمانية وثمانون ألفاً، وبالأصابع: ستة آلاف ألف وتسع مئة ألف واثنا عشر ألف، وبالشعيرات أحد وأربعون ألف ألف، وأربع مئة واثنان وسبعون ألفاً، وبالشعرات مئتا ألف ألف وثمانية وأربعون ألف ألف وثمان مئة ألف واثنان وثلاثون ألفاً.