وخبر "الصحيحين": "لا تبيعوا الثمر حتى يبدو صلاحه" .. ظاهره المنع قبل بدو صلاحه, خرج منه بيعه بشرط القطع بالإجماع على جوازه, فيعمل به فيما عداه. ومفهوم الغاية فيه: جواز البيع بعد بدو الصلاح مطلقاً, وبشرط قطعه, وبشرط إبقائه, والمعنى الفارق بينهما: أمن العاهة بعده غالباً, وقبله تسرع إليه لضعفه فيفوت بتلفه الثمن. أما بيعه مع الأرض .. فيصح من غير شرط القطع؛ لتبعيته لما يؤمن فيه من العاهة, بل لا يجوز شرطه؛ لما فيه من الحجر على المشتري في ملكه, فلو قال (بعتك الشجر أو الأرض بعشرة, والثمر أو الزرع بدينار) .. لم يجز إلا بشرط القطع؛ لأنه فصل, فانتفت التبعية. ويشترط لبيع الثمر بعد بدو صلاحه والحب بعد اشتداده: ظهور المقصود؛ كتين وعنب, وشعير وأرز ليكون مرئياً, بخلاف الحنطة والعدس في السنبل, ولا بأس بكمام لا يزال إلا عند الأكل؛ كقشر الرمان؛ لأن بقاءه فيه من مصلحته, وما له كمامان؛ كالجوز واللوز والباقلاء .. يباع في قشره الأسفل, ولا يصح في الأعلى؛ لاستتاره بما ليس من صلاحه بخلافه في الأسفل. نعم؛ يصح بيع قصب السكر في قشرة الأعلى؛ كما في "المطلب" عن الماوردي, ووجه: بأن قشره الأسفل كباطنه؛ لأنه قد يمص معه, فصار كأنه في قشر واحد كالرمان. قال في "الروضة": ويصح بيع طلع النخل مع قشره. وبدو الصلاح في الأشياء: صيرورتها إلى الصفة التي تطلب فيها غالباً؛ ففي الثمار: ظهور أول الحلاوة بأن يتموه ويلين, وفي المتلون بانقلاب اللون, وفي نحو القثاء بأن يجني مثله للأكل, وفي الحبوب باشتدادها, وفي ورق الفرصاد بتناهيه. وقد جعله الماوردي ثمانية أقسام:
أحدهما: باللون؛ كصفرة المشمش, وحمرة العناب.
ثانيهما: بالطعم؛ كحلاوة السكر, وحموضة الرمان مع زوال المرارة.