الثالثة: يضمن المستعير العارية إذا تلفت؛ أي: لا بالاستعمال المأذون فيه ولو لم يستعملها ولم يفرط؛ لخبر:"العارية مضمونة" رواه أبو داوود وغيره، ولأنه مال يجب رده إلى مالكه فتجب قيمته عند تلفه؛ كالمأخوذة بجهة السوم.
نعم؛ إن استعار من مستأجر إجارة صحيحة، أو موصى له بمنفعته، أو نحوهما .. لم يضمنها؛ لابتناه يده على يد غير ضامنة، أما إذا تلفت بالاستعمال المأذون فيه؛ كانسحاق الثوب أو انمحاقه باللبس، وتلف الدابة بالحمل المعتاد، وانكسار السيف في القتال .. فلا يضمنها، إلا في الهدي والأضحية المنذورين، ويضمن المستعير مؤن رد العارية حيث له مؤنة؛ لخبر:"على يد ما أخذته ختى تؤديه" رواه الترمذي وحسنه، والحاكم وصححه على شرط البخاري، ولئلا يمتنع الناس منها.
ويستثنى ما إذا استعار من مستأجر، أو موصى له بالمنفعة، أو نحوهما ممن يستحق المنفعة دون الرقبة استحقاقاً لازماً ورد على المالك، فمؤن الرد على المالك؛ كما لو ورد عليه المعير، بخلاف ما إذا رد على المعير، ويضمن المستام قيمة ما أخذه بجهة السوم ومؤن رده.
والرد المبرئ من الضمان: أن يسلم العين لمالكها، أو وكيله في ذلك، فلو رد الدابة للإصطبل، أو الثوب ونحوه للبيت الذي أخذه منه .. لم يبرأ.
ولو لم يجد المالك فسلمها لزوجته أو ولده، فأرسلها إلى المرعى فضاعت .. فالمالك إن شاه غرم الراد أو المستلم منه، والقرار عليه.
ويضمن كل منهما ما ذكر بقيمة يوم التلف، لا بأقصى القيم، ولا بقيمة يوم القبض؛ لأن اعتبارهما يؤدي إلى تضمين المستعير للأجزاء المنمحقة أو المنسحقة بالاستعمال، والأصح: أنه لا يضمن ذلك؛ لأنه مأذون فيه.
وظاهر كلامهم: لزوم قيمة العارية وإن كانت مثلية؛ كالحب والحجر، وهو قضية بناء الروياني والبغوي وغيرهما ضمان المثلي على الخلاف في المتقوم حيث قالوا: إن اعتبرنا أقصى القيم .. أوجبنا المثل، أو قيمة يوم التلف، وهو الأصح .. فالقيمة، وخالف ابن أبي عصرون فضمن المثلي بالمثل على القياس، وجرى عليه السبكي.