وقوله:(إذا تأولوا) أي: لأجل أن تأولوا تأويلاً يسوغ تأويله، ويعتقدون به جواز الخروج على الإمام وهو ظني البطلان؛ كتأويل الخارجين على علي رضي الله تعالى عنه؛ بأنه يعرف قتلة عثمان رضي الله عنه ويقدر عليهم، ولا يتقص منهم، لمواطأته إياهم، وتأويل بعض مانعي الزكاة عن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه؛ بأنهم لا يدفعون الزكاة إلا لمن صلاته سكن لهم وهو النبي صلى الله عليه وسلم، فخرج بذلك المخالفون بغير تأويل؛ كمانعي حق الشرع كالزكاة عناداً، أو بتأويل باطل قطعاً؛ كتأويل المرتدين فليسوا كالبغاة، وكذا الخوارج: وهم صنف من المبتدعة يكفرون من أتى كبيرة، ويطعنون بذلك في الأئمة، ولا يحضرون معهم الجمعة والجماعات، وحكمهم: أنهم إن لم يقاتلوا وكانوا في قبضة الإمام. تركوا.
نعم؛ إن تضررنا بهم .. تعرضنا لهم حتى يزول الضرر، ثم إن صرحوا بسبب الإمام أو أحد منا .. عزرو، وإن عرضوا به .. فلا، وإن قاتلوا. ز فهم فسقة وأصحاب نهب، فحكمهم حكم قطاع الطريق إن قصدوا إخافة الطريقة، ومع شوكة لهم بحيث يمكنهم معها المقاومة للإمام، ويحتاج الإمام إلى احتمال كلفة، من بذلك مال وإعداد رجال، ونصب قتال؛ ليردهم إلى الطاعة.
واكتفى الناظم بالشوكة عن اشتراط مطاع فيهم؛ لأنها لا تحصل إذا لم يكن لهم متبوع مطاع؛ إذ لا قوة لمن لا يجمع كلمتهم مطاع، وخرج بذلك ما إذا كانوا أفراداً يسهل الظفر بهم فليسوا بغاة؛ لأن ابن ملجم قتل علياً رضي الله عنه؛ متأولاً بأنه وكيل امرأة قتل علي أباها فاقتص منه، ولم يعط حكمهم في سقوط القصاص.
وللبغاة حكم أهل العدل في قبول شهادتهم، ونفوذ قضاء قاضيهم، والحكم بسماع قاضيهم البينة، واستيفائهم حقوق الله تعالى وحقوق العباد، وصرفيهم سهم المرتزقة إلى جندهم، وعدم ضمانهم ما أتلفوه بسبب القتال من نفس أو مال، وحكم ذي الشوكة بلا تأويل حكم البغاة في الضمان.
[قتال البغاة]
ويجب على الإمام ألا يقاتلهم حتى ينذرهم، وينبغي أن يبعث إليهم أميناً فطناً ناصحاً يسألهم ما يكرهون، فإن ذكروا مظلمة أو شبهة، أزالها، فإن أصروا بعد الإزالة .. وعظهم وأمرهم بالعود إلى الطاعة، ثم أعلمهم بالقتال، فإن استمهلوا فيه، اجتهد في الإمهال وعدمه، وفعل ما رآه صوابا منهما، فإن ظهر له أن استمهالهم للتأمل في إزالة الشبهة .. أمهلهم، أو لاستلحاق مدد. لم يمهلهم.