وإذا قاتلهم .. دفعهم بالأخف فالأخف، فإن أمكن أسر. فلا قتل، أوإثخان .. فلا تذفيف، فإن التحم الحرب، أو اشتد الخوف دفعهم بما أمكن، ويلزم الواحد منا مصابرة اثنين من البغاة، ولا يولي عنهما إلا متحرفاً لقتال، أو متحيزاً إلى فئة، ولا يقاتل- إذا وقع قتال- مدبر منهم، للنهي عنه كما رواه البيهقي والحاكم.
وشمل تعبيره ب (المدبر): من تحيز إلى فئة بعيدة، أو أعرض من القتال، أو بطلت قوته، أما ولى متحرفاً لقتال، أو متحيزاً إلى فئة قريبة .. فإنه يتبع ويقاتل، وكذا لو ولا مجتمعين تحت راية زعيمهم.
ولا يتق لجريحهم ولا أسيرهم؛ للنهي عنه، ولو قتل رجل منا أسيرهم. فالأصح في «الروضة»: أنه لا قود؛ لشبهة تجويز أبي حنيفة قتله، وحكاه في «البحر» عن النص، وحكي فيه أيضا: أنه لا قود على قاتل المدبر، ومذفف الجريح كذلك أيضا، ويطلق أسيرهم؛ أي: الصالح للقتال، سواء أكان أم غيره؛ كمراهق وعبد عند أمن عودهم عند انقضاء الحرب، أما غير الصالح للقتال؛ كالمرأة والصبي غير المراهق .. فيطلق بعد انقضاء الحرب وإن لم تؤمن غائلتهم.
نعم؛ إن قاتلت النساء. فكالرجال لا يطلقن إلا بعد أمن غائلتهم، ويرد إليهم مالهم من خيل وسلاح وغيرهما إذا انقضت الحرب، وأمنت غائلتهم بعودهم إلى الطاعة، أو تفرق جمعهم في الحال من غير تأخير، ولا يستعمل مالهم كخيلهم وسلاحهم في قتال ولا في غيره؛ لأنه استعماله كاستعمال المغصوب من غيرهم إلا لضرورة؛ بأن لم يجد أحدنا ما يدفع به عن نفسه إلا سلاحهم، أو ما يركبه وقد وقعت هزيمة إلا خيلهم.
ولا يقاتلون بعظيم كنار ومنجنيق إلا لضرورة؛ بأن قاتلوا به واحتجنا إلى المقاتلة بمثله دفعاً، أو أحاطوا بنا واحتجنا في دفعهم إلى ذلك، ولا يستعان عليهم بكافر؛ لأنه يحرم تسليطه على المسلم، ولا بمن يرى قتلهم مدبرين كالحنفي إبقاء عليهم، فإن احتجنا إلى الاستعانة بهم .. جازت إن كان فيهم جرأة وحسن إقدام، وكنا نتمكن من منعهم لو اتبعوهم، قاله في «الروضة» و «أصلها».