الخامسة: حيث يتوب قاطع الطريق قبل الظفر به والقدرة عليه ... نبذ؛ أي: سقط عنه وجوب حد الله تعالى وهو القطع وتحتم القتل والصلب؛ لقوله تعالى:{إلا الذين تابوا} الآية، بخلاف ما لو تاب بعده؛ لمفهومها ولتهمة الخوف.
ولا تسقط بها حقوق الآدمي من القود وضمان المال، فللولي الاقتصاص والعفو على مال أو مجاناً، ومثل الحد فيما ذكره التغزير.
وأفهم كلامه: أن التوبة لا تسقط باقي الحدود؛ كحد الزنا والسرقة والقذف، في حق قاطع الطريق وغيره؛ لعموم أدلتها من غير تفصيل، وقياساً على الكفارة، إلا قتل تارك الصلاة، فإنه يسقط بالتوبة ولو بعد رفعه إلى الحاكم، لأن موجبه الإصرار على الترك لا الترك الماضي.
[إذا اجتمع عقوبتان فأكثر على شخص]
السادسة: إذا اجتمع على شخص عقوبتان فأكثر غير قتل ... فرقت وجوباً، فلو اجتمع عليه حد قذف وقطع، أو حد قذف لاثنين ... فرق بينهما حتى يبرأ من الأول؛ لئلا يموت بالموالاة.
أما القتل .. فيوالي بينه وبين غيره؛ لأن النفس مستوفاة، وقدم غير القتل عليه وإن تقدم القتل؛ ليحصل الجمع بين الحقين، فيجلد ثم يقطع ثم يقتل؛ ويبادر بقتله بعد قطعه لا قطعه بعد جلده؛ لما مر، فلو أخر مستحق الجلد حقه .. فعلى الآخرين الصبر حتى يستوفي، فلا يقطع ولا يقتل قبل الجلد.
ولو أخر مستحق الطرف حقه .. جلد وعلى مستحق النفس الصبر حتى يستوفى الطرف؛ حذراً من فواته، فإن بادر بقتله ... فلمستحق الطرف ديته؛ لفوات استيفائه.
فإن كان في العقوبات حق لله تعالى وحق للعباد، ولم يكن فيها قتل، أو لم يكن إلا القتل .. قدم منها ما للعباد على ما لله تعالى وإن كان ما لله تعالى أخف؛ لبناء حقهم على المشاحة، وحق الله تعالى على المسامحة، فيقدم حد القذف على حد الشرب والزنا، ويقدم قتل القصاص على قتل الزنا.
فإن تمحضت لله تعالى أو للعباد .. قدم الأخف فالأخف موقعاً؛ فمن زنى وشرب وسرق .. حد للشرب ثم للزنا ثم قطعت يده للسرقة، لا يوالى بينهما كما مر، ومن قذف وقطع عضواً .. حد للقذف ثم قطع ...