الأول: يحد الكامل؛ أي: البالغ العاقل المختار، العالم بالتحريم، الملتزم للأحكام؛ لشرب مسكر جنسه من خمر وغيره، وإن لم يسكر القدر المشروب منه؛ بأن يضربه الإمام أربعين جلدة بسوط أو غيره؛ ففي خبر مسلم عن علي رضي الله تعالى عنه قال:(جلد النبي صلى الله عليه وسلم أربعين، وجلد أبو بكر أربعين، عمر ثمانين، وكل سنة، وهذا احب إلى) وفيه عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يضرب في الخمر بالجريد والنعال أربعين)
وهذا في الحر، أما غيره .. فعلى النصف من ذلك كما سيأتي، وفي معنى شربه: أكله؛ بأن كان ثخيناً، أو أكله بخبز، أو طبخ به لحماً وأكل مرقه، فخرج بذلك أكل اللحم المطبوخ به؛ لذهاب العين فيه، وأكل أو شرب ما اختلف به واستهلك هو فيه، وكذا الاحتقان والاستعاط؛ لأن الحد للزجر ولا حاجة فيهما إلى الزجر؛ وخرج الصبي والمجنون والمكره على تناوله.
وخرج ب (العالم بالتحريم) من جهله؛ لقرب عهده بالإسلام، أو نشئه بعيداً عن العلماء فلا حد عليه؛ لجهله، وب (ملتزم الأحكام) أي: أحكام الشرب وغيره: الكافر فلا يحد به، لأنه لم يلتزم تحريمه، وب (ما يسكر جنسه): غيره كالدواء المجنن فلا حد بتناوله؛ لأنه لا يلذ ولا يطرب، ولا يدعو قليله إلى كثيره، بل يعزر به.
والأصح: تحريم شرب المسكر لدواء أو عطش إذا لم يجد غيره، بخلاف شرب البول والدم لهما؛ لعموم النهي عن شرب المسكر من شأنه إزالة العقل؛ لأن بعضه يدعو إلى بعض؛ ولأنه يثير العطش بعد وإن سكنه في الحال، وعلى هذا يحمل خبر:«إن الله تعالى لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم» رواه ابن حبان وصححه، هذا إن لم ينته به الأمر إلى الهلاك، وإلا ... فيتعين شربه؛ كما يتعين على المضطر أكل الميتة، نقله الإمام عن إجماع الأصحاب.