قال بعضهم: إذا أراد الله أن يوالي عبده .. فتح عليه باب ذكره، فإذا استلذ الذكر .. فتح عليه باب القرب، ثم رفعه إلى مجالس الأنس، ثم أجلسه على كرسي التوحيد، ثم رفع عنه الحجب، وأدخله دار القرب، وكشف له الجلال والعظمة، فإذا وقع بصره على الجلال والعظمة .. خرج من حبسه ودعاوى نفسه، ويحصل حينئذ في مقام العلم بالله فلا يتعلم بالخلق، بل بتعليم الله تعالى وتجليه لقلبه، فيسمع ما لا يسمع، ويفهم ما لا يفهم.
(وقاصر الهمة لا يبالي ... يجهل فوق الجهل كالجهال)
[قاصر الهمة جاهل لا يبالي بمعالي الأمور]
أي: وقاصر الهمة دنيها؛ بأن جنح إلى سفساف الأمور، وعدل عن معاليها، فلا يرفع نفسه بالمجاهدة؛ لأنه أسرته الشهوة وميل النفس إلى الراحة، فصار لا يبالي هل قربه الله أو أبعده؟ ! فلا يتعلم أمره ولا نهيه، ولا يعمل بمقتضى واحد منهما لو علمه، ولا يبالي بما اكتسبه من المال هل هو من حلال أو حرام؟ ! ولا ما عمله من الأعمال هل يوافق الشرع أو لا؟ ! ولا يبالي في أفعاله هل تسخط الرب أو ترضيه؟ ! وقد أعرض عن أخراه وانهمك في دنياه.
وقد قال العلماء: الخسيس: من باع دينه بدنياه، وأخس الأخساء: من باع دينه بدنيا غيره، وهو متكل بجهله وغروره على عفو الله تعالى وكرمه بلا خوف ولا عمل، فيجهل فوق جهل الجاهلين.
فالجهل أول داء النفس، ثم حب الأشياء، ثم قلة المبالاة، ثم الجرأة، ثم قلة الحياء، ثم المنى بفوز الآخرة، وهذا حال من ركبته النفس الأمارة بالسوء، وأول منزل من منازل السالك ذبح نفسه بسكين الرياضة.
[ما يترتب على معرفة عالي الهمة ودنيها]
(فدونك الصلاح أو فسادا ... أو سخطاً أو تقريباً أو إبعادا)
أي: فدونك أيها المخاطب بعد أن عرفت حال عالي الهمة ودنيها، وعلمت أن الله تعالى