للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومنه قوله تعالى: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} (١).

ومنه قولُ الفرزدق:

لعَمْرُكَ ما مَعْنٌ بِتاركِ حَقِّهِ ... ولا مُنْسِئٌ مَعْنٌ ولا مُتيَسِّرُ (٢)

ومَن جعلها استفهاميةً احتجَّ برواية ابنِ إسحاقَ: "ما أقرأُ؟ " (٣)، وبما رُوي عند ابن عقبةَ في مَغازِيه (٤)، وعند البيهقي في دلائلِه (٥): "كيف أقرأُ؟ "، وأنكر العينيُّ على مَن جعل هذه الرواية نافيةً مع صريحِ الاستفهام فيها (٦).

أما المنعُ من أن تكون (ما) استفهاميةً لاقتران الخبر بالباء؛ فقد جوَّز الأخفشُ أن تكون (ما) استفهاميةً مع الاقتران (٧)، ولكن ذكَر غيرُ واحد أن ذلك قليلٌ أو شاذ، فالصوابُ أن الباء زائدةٌ لتأكيد النفي (٨). وأما مَن احتج برواية ابن إسحاقَ وغيرِها، فالرواية تحتملُ الاستفهام، ولكن ما رُوي في الصحيحين يبعُد أن يكون استفهامًا؛ لاقتران الخبر بالباء، ويجوزُ أن تكون (ما) في هذه الرواية نافيةً (٩).

ومما سبق يمكنُ القول بأن (ما) في (ما أنا بقارئ) و (ما أقرأ) (١٠) نافية؛ لِمَا ذُكر من توجيهٍ حول قول من قال بأنها استفهامية، وليتفق معنى الروايتين.


(١) فصلت: ٤٦.
(٢) البيت من الطويل، ديوانه ٢٧٠، الكتاب ١/ ٦٣، شرح أبيات سيبويه ١/ ١٣١، همع الهوامع ١/ ٤٦٧.
(٣) مسند إسحاق بن راهويه ٣/ ٩٧٠، أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار ٢/ ٢٠٤، بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث ٢/ ٨٦٧.
(٤) مغازي ابن عقبة ٦٣.
(٥) دلائل النبوة ٢/ ١٤٢.
(٦) عمدة القاري ١/ ٥٧.
(٧) نقلًا: شرح المفصل ٤/ ٤٧٦، عمدة القاري ١/ ٥٧.
(٨) فتح الباري ١/ ٢٤.
(٩) إكمال المعلم بفوائد مسلم ١/ ٤٨٢، المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج ٢/ ١٩٩، عقود الزبرجد على مسند الإمام أحمد ٣/ ١٩١.
(١٠) ذكر ابن الملقن رواية "ما أحسن أن أقرأ" فلم أجدها -حسب اطلاعي- في متون الحديث، إنما وجدتها عند شراح الحديث، فمنهم من جعلها رواية، ومنهم من جعلها تفسيرا للنفي، وذكر ذلك في: عمدة القاري ١/ ٥٤، إرشاد الساري ١/ ٦٣ - ٧/ ٤٢٦.

<<  <   >  >>