للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مسألة

التقارُض بين (على) و (عن)

في قوله - عليه السلام -: "لا تُشِفُّوا بعضَها على بعضٍ" (١).

قال ابن الملقن:

"وقولُه: (ولا تُشِفُّوا بعضَها على بعض)، الشَّفُّ: النقصان والزيادة؛ شَفَّ يَشِفُّ شَفًّا: زادَ، وأشَفَّ يُشِفُّ: إذا نقَص، والاسمُ منه الشَّفُّ والشِّفُّ. قال ابن التين: أراد في الحديث: لا تزيدوا بعضَها على بعض ولا تنقصوا، وكأن الزيادة أولى، إلَّا أنَّه عدَّاه بـ (على)، و (على) مختصةٌ بالزيادة، و (عن) مختصةٌ بالنقصان، ولا يصحُّ حملُه على النقص مع (على) إلا على مذهبِ مَن يُجيز بدلَ الحروفِ بعضِها من بعض، فيَجعلُ (على) موضعَ (عن)، وفيه بُعدٌ" (٢).

بيان المسألة:

ذكر ابن الملقن أن (الشف) يعني النقصان والزيادة، وبيَّن أن الزيادة أَولى؛ لمناسبةِ معنى الحرف، وبيانُ ذلك فيما يلي:

كلمة (الشف) يعُدُّها أهل اللغة من الأضداد؛ إذ تحملُ معنيين متضادَّين: النقصان والزيادة (٣)، فيحتمل المعنى: (لا تزيدوا بعضها على بعض) و (لا تنقصوا)، غير أن الحرف المُعدَّى به (على) مختصٌّ بالزيادة دون النقصان، وعُبِّر به عن معنيين متضادين! .

هذا، وقد اختَلَف النحويون في جوازِ حملِ معنَى حرفٍ على معنَى حرفٍ آخَر (٤).

فأهلُ البصرة يرون أن (على) لا تخرجُ إلى معنًى سوى الاستعلاء، والاستعلاءُ زيادةٌ، ويعبرون عن النقص بـ (عن)، ولا يُجيزون إنابةَ حرفٍ عن حرف آخر؛ إبقاءً على أصلِ وضعِه،


(١) صحيح البخاري ١٤/ ٣٣٣، باب بيع الفضة بالفضة.
(٢) التوضيح لشرح الجامع الصحيح ١٤/ ٣٣٣.
(٣) الأضداد ١٠٩، معجم ديوان الأدب ٣/ ٣٢، المحكم والمحيط الأعظم ٧/ ٦٢٣، تهذيب اللغة ١١/ ١٩٥، تفسير غريب ما في الصحيحين البخاري ومسلم ٢٢٦، تاج اللغة وصحاح العربية ٤/ ١٣٨٢، مجمل اللغة لابن فارس ١/ ٤٩٧.
(٤) أدب الكاتب ٥٠٧، المقتضب ٢/ ٢٣٠، الخصائص ٢/ ٣١٤، مغني اللبيب عن كتب الأعاريب ١٩٦، اللمحة في شرح الملحة ١/ ٣٢٠، الجنى الداني ٤٧٦.

<<  <   >  >>