للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المبحثُ الأول: الأسماءُ المبنية

وفيه مسائلُ:

مسألة

استعمالُ (مَن) و (ما) الموصولتَينِ للعاقل وغيرِ العاقل

في قوله - عليه السلام -: " ... وجَنِّبِ الشيطانَ ما رزقتنا ... " (١).

قال ابنُ الملقن:

"وقولُه: (ما رزقتنا)، أي: شيئًا رزقتنا؛ لأن المشهور أن (ما) لِمَا لا يعقل، و (مَن): لمن يعقل، وإذا كانت (ما) بمعنى شيءٍ وقعت على مَن يعقل وما لا يعقل، وقيل: تكون لمن يعقل، والمعروفُ الأولُ" (٢).

بيان المسألة:

ذكر ابنُ الملقن هنا أن (ما) الموصولة تكونُ لِمَا لا يعقل ولِمَن يعقل، وأن (مَن) لمن يعقل، وبيانُ المسألة كما يلي:

اشتَهَر عند النحويين أن (مَن) الموصولة يُراد بها مَن يعقل، ولا يجوز أن يُعبر بها عمَّا لا يعقل، إلا إذا نُزل منزلةَ مَن يعقل، ومنه قوله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِّن مَّاءٍ فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ} (٣)، فعُبر عن غير العاقل بـ (من) لتنزُّله منزلةَ العاقل.

ومنه قولُ الشاعر (٤):

أَسِرْبَ القَطَا هَلْ مَنْ يُعِيرُ جَنَاحَهُ ... لَعَلِّي إِلى مَنْ قَدْ هَوِيتُ أَطِيرُ

وزعم قطربٌ أن (مَن) تقع على ما لا يعقل دون اشتراطِ ما يصحِّحُ ذلك، وجعل من ذلك قولَه تعالى: {وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ} (٥)، وذكر ابنُ السرَّاج أن هذا القولَ غيرُ مرضي؛ إذ


(١) صحيح البخاري ١/ ٤٠، باب التسمية على كل حال وعند الوقاع.
(٢) التوضيح لشرح الجامع الصحيح، ٢٩/ ٣٣٣.
(٣) النور: ٤٥.
(٤) البيت من الطويل لمجنون ليلى في ديوانه ٩٧، وينسب لعباس بن الأحنف في ديوانه ١٤٣، وينظر: شرح الكافية الشافية ١/ ٢٧٧، شرح التصريح ١/ ١٥٥.
(٥) الحِجر: ٢٠.

<<  <   >  >>