للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المبحثُ الرابع: أصولٌ أخرى

تنوَّعت أصول الاستدلال عند ابن الملقن في شرحه للجامع الصحيح؛ فمن الأصول التي اعتمد عليها ما سبق إيضاحُه من السماع والقياس والإجماع، ومنها ما نجده عنده أيضًا من الاستدلال بأصول أخرى، منها: استصحابُ الحال، والسَّبْر والتقسيم، وقد ظهر استدلالُه بهذين الأصلين من خلال دراسة الباحث للمسائل النحوية.

ويمكنُ أن نُبرِزَ هذين الأصلين بعرض الأمثلة عليهما؛ فأما استدلالُه بأصل استصحاب الحال، فإننا نجدُ ابنَ الملقن يستخدمُ هذا النوعَ من الأدلة في عدة مواقف وربما يقدمُه على غيره من الأدلة.

ومثال ذلك في قول ورقة بن نوفل: (يا ليتني كنت جذعًا)، إذ قال ابن الملقن: "منصوبٌ على الحال، وخبر (ليت) قوله: فيها، والتقدير: ليتني كائنٌ فيها -أي: مدة الحياة- في هذا الحال شبيبةً وصحةً وقوة لنصرتك، إذ قد كان أسنَّ وعمِيَ عند هذا القول" (١). فكان الرابطُ في اختيار النصب: هو حال ورقةَ من الكِبَر والعمى.

ومن ذلك أيضًا في قوله - عليه السلام -: (ليلٌ طويلٌ فارقد)؛ إذ قال ابن الملقن: "والأول أولى (ليلٌ طويلٌ) من جهة المعنى؛ لأنه الأمكَنُ في الغرور؛ من حيث إنه يخبره عن طول الليل ثم يأمرُه بالرقاد، وإذا نُصب على الإغراء لم يكن فيه إلا الأمرُ بملازمة طول الرقاد" (٢).

وكذلك في قوله تعالى: {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} (٣)، قال ابن الملقن: "حمله على معنى الانتظار لا يخلو أن يُراد به: منتظرةً ربَّها أو ثوابَه، وعلى أيهما حُمل فهو خطأ؛ لأن المنتظِر لِمَا ينتظرُه في تنغيص وتكدير، والله قد وصف أهلَ الجنة بغير ذلك" (٤).

أما أصلُ السبر والتقسيم، فقد استخدمه ابن الملقن قليلًا، ومن ذلك في: (حتى أدخل على مالك)، إذ قال ابن الملقن: "مَن قرأه بضم لام (أدخلُ) كانت (حتى) عاطفة، فمعنى


(١) التوضيح لشرح الجامع الصحيح ٢/ ٢٩٢.
(٢) المصدر السابق ٩/ ٨٩.
(٣) القيامة: ٢٣.
(٤) المصدر السابق ٣٣/ ٤٢٣.

<<  <   >  >>