للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المبحثُ الأول: السَّماع

اعتمد ابنُ الملقن على هذا الأصل من أصول الاستدلال اعتمادًا كبيرًا، وقد تنوَّعت طرقُه في الاستدلال بالسماع، وتعددت أغراضُه الداعية لهذا الاستدلال.

فمن الطرق التي استخدم بها أصل السماع -من آيات قرآنية، وأحاديث نبوية، وشواهد شعرية، وأقوال العلماء- أنه ربما يستدلُّ بالحديث والحديثين في مسألة واحدة، وتارةً يستدل بمعنَى الحديثِ دون نصِّه، وتارة يوردُ الحديثَ كما ورد في كتب الصحاح.

فمثالُ ما استدل فيه بمعنى الحديث: في مجيء (في) للسببية، في حديث (في النفس المؤمنة)؛ إذ قال: "وكقوله في التي حبست هرةً فدخلت النارَ فيها، أي: لسببها" (١)، ففي هذا الحديث الأخير استدل به بالمعنى ولم يوردْه نصًّا.

ومثالُ ما استدل بنصِّه كما ورد في كتب الصحاح: في قوله - عليه السلام -: (ما مِن أحد أغيرَ من الله)، قال: "وفي مسلم: (إنْ من أحد أغير من الله) بكسر همزة (إن) وإسكان النون، وهو بمعنى: ما من أحد أغير من الله" (٢).

هذا، وقد يستدلُّ بروايات الحديث غيرَ مكتفٍ برواية البخاري، كما في (ما أنا بقارئ)، إذ قال: " (ما) نافية، واسمها (أنا)، وخبرها (بقارئ)، و (الباء) زائدة لتأكيد النفي، أي: ما أحسنُ القراءة، وقد جاء في رواية: ما أحسنُ أن أقرأ" (٣).

كذلك قد يستدلُّ بأقوال الصحابة، وقد تكونُ مقتطعةً من الحديث الشريف، ومن ذلك في آية {مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ} (٤)؛ إذ قال: "ومثله قولُ عائشة: ولم يجلس عندي مِن يومِ قيلَ ما قيل. وقولُ أنس: فما زلتُ أحبُّ الدُّبَّاءَ من يومئذ. وقولُ بعض الصحابة: مُطرنا من الجمعة إلى الجمعة" (٥).

وقد يستدلُّ كذلك ببعض لغات العرب، عند مخالفتها للقواعد النحوية المشهورة، وذلك


(١) التوضيح لشرح الجامع الصحيح ٢/ ٤٤٤.
(٢) المصدر السابق ٨/ ٣١٦.
(٣) المصدر السابق ٢/ ٢٦٠.
(٤) التوبة: ١٠٨.
(٥) المصدر السابق ٣/ ٥٨٤.

<<  <   >  >>