للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مسألة

انفصالُ ثاني الضميرَينِ مع إمكانِ الاتصال

في قول هِرَقْلَ لأبي سفيان: " ... فكيف كان قتالُكم إيَّاه؟ ... " (١).

قال ابنُ الملقن:

"قولُه: (فكيف كان قتالكم إياه؟ ) فيه انفصالُ ثاني الضميرين، والاختيارُ أن لا يجيءَ المنفصلُ إذا تأتَّى مجيءُ المتصل" (٢).

بيان المسألة:

ذكر ابنُ الملقن حالَ الضمير الثاني، وأن مجيئه متصلًا مقدمٌ على انفصاله، ما لم يمنع من ذلك مانعٌ، وبيان ذلك فيما يلي:

الأصلُ في مجيء الضمائر أن لا يُؤتى بالضمير المنفصل إلا عند تعذُّر المتصلِ؛ لكونه أخصرَ وأوضحَ، ولا يحدث معه لَبْسٌ يُبهِمُ المراد، وأما الضميرُ المنفصل فقد يُحدث لبسًا في بعض الكلام؛ ففي مثلِ: (إياك أخافُ) قد يُفهم أنه يريدُ إعلامَ المخاطَب بأنه يخافه، أو أنه يريدُ تحذيرَه من شيء، وإعلامَه بأنه خائفٌ من ذلك الشيء (٣)، ولو قيل: (أخافُكَ) بالضمير المتصل لَمَا وقع ذلك الإشكالُ، قال ابن مالك (٤):

وفِي اخْتِيارٍ لا يَجِيءُ المُنفصِلْ ... إِذَا تَأَتَّى أَنْ يجِيءَ المُتَّصِلْ

وقال في الشواهد: "وإذا علِمت هذه القاعدةَ لزم أن يُعتذر عن جعل منفصلٍ في موضع لا يتعذرُ فيه المتصل" (٥).

ومن ثَمَّ فإن وقوعَ المنفصل موقعَ المتصل يُحمَلُ على أحد وجهين؛ أحدُهما: الضرورةُ، نحوُ قول الشاعر (٦):


(١) صحيح البخاري ١/ ٨، باب بدء الوحي.
(٢) التوضيح لشرح الجامع الصحيح ٢/ ٣٩٣.
(٣) الكتاب ١/ ٢٧٧، المقتضب ١/ ٢٦١، شرح الكافية الشافية ١/ ٢٣٠، شواهد التوضيح ٧٨.
(٤) ألفية ابن مالك ١٣.
(٥) شواهد التوضيح ٨٣.
(٦) نسب لأمية بن أبي الصلت في ديوانه ١٦٦، الخصائص ١/ ٣٠٨، ونسب للفرزدق في ديوانه ١٩٠، ما يجوز للشاعر من الضرورة ٢٧٩، الإنصاف ٢/ ٥٧١، الخزانة ٥/ ٢٩٠.

<<  <   >  >>