للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مسألة

مجيء (مِن) للمكان والزمان

في قوله - عليه السلام -: "فإن رأسَ مائة سنة منها ... " (١).

قال ابن الملقن:

" (فإن رأس مائة سنة منها) على أن (مِن) تكونُ لابتداء الغاية في الزمان كـ (مُذْ)، وهو مذهبٌ كوفي. وقال البصريون: لا تدخل (مِن) إلا على المكان، و (منذ) في الزمان نظير (من) في المكان، وتأولوا ما جاء على خلافه مثل قوله تعالى: {امِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ} (٢)، أي: (من أيام وجوده) كما قدَّره الزمخشري، أو (من تأسيسِ أولِ يوم) كما قدَّره أبو علي الفارسي، وضُعف بأن التأسيس ليس بمكان. ومثلُه قول عائشة: (ولم يجلس عندي مِن يومِ قيلَ ما قيل)، وقولُ أنس: (فما زلتُ أحبُّ الدُّبَّاء مِن يومئذ)، وقولُ بعض الصحابة: (مُطِرنا من الجمعة إلى الجمعة) " (٣).

بيان المسألة:

ذكر ابن الملقن أن (مِن) تكون لابتداء الغاية في المكان، وقد تأني للزمان، وبيانُ ذلك فيما يلي:

اختلف النحويون في ظرفية (من)، فالبصريون يرون أن (مِن) لابتداء الغاية للمكان، وهي نظيرُ (منذ) في الزمان، أما الكوفيون فيرون جوازَ مجيء (من) لابتداء الغاية للزمان مع مجيئها للمكان.

واحتج الكوفيون بكثرة ورود ذلك، ومثلُه ما ذكر ابنُ الملقن (٤)، مع ما يعترض لرأي البصريين من كون (من) للمكان، وذلك في مثل قوله تعالى: {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ} (٥)، فلو صحَّ دخول (منذ) -إذ هي للزمان- على (من) -وهي للمكان- لَوقع خلافٌ في كونها


(١) صحيح البخاري ١/ ٣٤، باب السمر في العلم.
(٢) التوبة: ١٠٨.
(٣) التوضيح لشرح الجامع الصحيح ٣/ ٥٨٤.
(٤) المصدر السابق، الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل ٢/ ٣١١، صحيح البخاري ٦/ ١٠١، ٢/ ٢٩، ٣/ ٦١.
(٥) الروم: ٤.

<<  <   >  >>