للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المبحثُ الثاني: الحروفُ المهملة

وفيه مسائلُ عدة:

مسألة

مجيء (إلا) لغير الاستثناء

في قول أبي النَّضْر: "لا يُخرجكم إلا فرارًا منه" (١).

قال ابن الملقن:

" (لا يخرجكم إلا فرارًا منه) كذا هو بالنصب، ويجوزُ رفعُه، واستشكلهما القرطبي؛ لأنه لا يفيد بحكمٍ، ظاهرُه أنه لا يجوزُ لأحد أن يخرج من الوباء إلا من أجل الفرار، وهذا محالٌ، وهو نقيضُ المقصود من الحديث، لا جَرَمَ قيَّده بعضُ رواة الموطأ: (الإفْرارُ منه) بهمزة مكسورة ثم فاء ساكنة، يُوهم أنه مصدر، وهذا ليس بصحيح؛ لأنه لا يُقال: أفرَّ رباعيًّا، وإنما: يقال: فَرَّ، ومصدرُه: فِرَارٌ ومَفَر، قال تعالى: {أَينَ المَفَرُّ} (٢)، قال جماعة من العلماء: إدخال (إلا) فيه غلطٌ، قال بعضُهم: إنها زائدة كما تُزاد (لا) في مثل قوله تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ} (٣)، أي: أن تسجد، وقال بعضُ النحويين: (إلا) هنا للإيجاب؛ لأنها تعوض ما نفاه من الجملة، ونهاه عن الخروج، فكأنه قال: لا تخرجوا منها إذا لم يكن خروجكم إلا فرارًا، فأباح الخروجَ لغرض آخر. والأقربُ أن تكون زائدة، والصحيحُ إسقاطها كما قد صحَّ في الروايات الأخر، وقال القاضي عياض: خرَّج بعضُ محققي العربية لرواية النصب وجهًا؛ فقال: منصوبٌ على الحال، قال: فلفظة (إلا) هنا للإيجاب لا للاستثناء، قال: وتقديره: لا تخرجوا إذا لم يكن خروجُكم إلا فرارًا منه" (٤).

بيان المسألة:

ذكر ابنُ الملقن الخلاف حول (إلا) والاسمِ الذي بعدها، فمنهم مَن قال بأن وجودها


(١) صحيح البخاري ٤/ ١٧٥، باب حديث الغار.
(٢) القيامة: ١١.
(٣) الأعراف: ١٢.
(٤) التوضيح لشرح الجامع الصحيح ١٩/ ٦٥١.

<<  <   >  >>