للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مسألة

النصب في الاستثناء المفرَّغ

في قول ابن عباس - رضي الله عنه -: "ولم يمنعْه أن يأمرَهم أن يرمُلوا الأشواطَ كلَّها إلا الإبقاء عليهم" (١).

قال ابن الملقن:

"وقوله: (إلا الإبقاء) هو بكسر الهمزة، ثم باءٍ موحدة، ممدودٌ، أي: الرفق بهم. قال القرطبي: رويناه بالرفع على أنه فاعلُ (يمنعه)، ويجوزُ النصب على أن يكون مفعولًا من أجله، قال: ويكون في (يمنعه) ضميرٌ عائد على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو فاعلُه" (٢).

بيان المسألة:

ذكر ابن الملقن أن ما بعد (إلا) أي: الإبقاء، يحتمل إعرابين، وبيان ذلك فيما يلي:

(إلا) في هذا الحديث للحصر، و (الإبقاء) تُرفع وتُنصب، فالرفعُ لكونها فاعلًا لـ (يمنع)، والتقدير: يمنعُ الإبقاءُ -أي الرفقُ- الرسولَ - صلى الله عليه وسلم - من أن يأمرَهم بالرملِ في كل الأشواط.

أما كونُها منصوبة فعلى أنها مفعولٌ من أجله، إذ التقدير: لم يمنعِ الرسولَ - صلى الله عليه وسلم - من أن يأمرهم أن يرملوا في الأشواط كلها إلا هو إبقاءً عليهم؛ أي: رفقًا بهم.

هذا، وقد تأتي (الإبقاء) مجرورة، وذلك أن (إلا) من معانيها (غير)، فيصبح التقدير: لم يمنعه غير الإبقاءِ عليهم. والأقربُ -حسب ما أرى- أن (الإبقاء) مرفوع على الفاعلية، وذلك لدلالة الضمائر في الحديث، قال ابنُ عباس: فأمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يرملوا الأشواط الثلاثةَ، وأن يمشوا ما بين الركنين، ولم يمنعْه أن يأمرَهم أن يرملوا الأشواطَ كلها إلا الإبقاءُ عليهم.

فالهاء في (يمنعه) عائدةٌ على مفرد مذكر وهو الممنوعُ، فلم يبق في الجملة سوى مانعٍ واحد، وهو: الإبقاءُ أو الرفق، فيكون فاعلًا. ولو كان الفعلُ متصلًا به ما يدلُّ على الجمع، أي: (يمنعهم)، لكان الفاعلُ هو النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - والمفعول به الصحابة رضوان الله عليهم.

ولا يمكنُ أن يكون الرفقُ هو المانعَ للصحابة، إذ هم يصدرُون عن أمره؛ - صلى الله عليه وسلم -.


(١) صحيح البخاري ٢/ ١٥٠، باب كيف بدء الرمل.
(٢) التوضيح لشرح الجامع الصحيح ١١/ ٣٦٦.

<<  <   >  >>