للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لا دليل عليه، ولا مُحوِجَ إليه (١).

وأما (ما) الموصولةُ فيُراد بها غيرُ العاقل، وقد يُعبر بها عن العاقل، والمبهمِ أمرُه.

ومن ذلك قولُه تعالى: {فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ} (٢)، فعُبر في الآية عن العاقل بـ (ما)، ومنه أيضًا قولهم: انظر إلى ما ظهر، أي شيء هو؟ (٣). وذكر خالد الأزهري (٤) أن (ما) في أصلِ وَضْعِها تكونُ للعاقل وحده، والقولُ المعروفُ الأولُ (٥).

أما إذا اختلط جنسُ مَن يعقل بما لا يعقل؛ فيجوزُ أن يُعبَّر بـ (مَن) تغليبًا للأفضل، وبـ (ما)؛ لأنها عامة في الأصل، ومِن ذلك قولُه تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْض} (٦)، وكذلك قولُه تعالى: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} (٧).

وقد أشار ابنُ مالك إلى ذلك في قوله:

وَ (مَنْ) و (ما) لكُلِّ ما مضَى هُمَا ... كُفْآنِ واخْصُصْ (مَنْ) بِذِي عَقَل و (ما)

تَعُمُّ، والأَولى بها الَّذي خَلا ... مِنْه وذو الإِبهامِ حَيْثُ مَثَلا

وعِند الاختِلاطِ خُيرُ مَنْ نَطَقْ ... فِي أَنْ يَجيءَ مِنهُمَا بما اتَّفَقْ

و(مَنْ) أَجِزْ في غَيْرِ مَنْ يَعقِلُ إِن ... شَابَههُ كَذَا إذا بِهِ قُرِنْ (٨)

وأما ما ورد في الحديث؛ وهو "ما رزقتنا"، فبعضُ الشرَّاح جعل (ما) لمن يعقل؛ لأنها بمعنى شيء (٩)، والتقدير: "شيئًا رزقتنا"، وقد تكون لما لا يعقلُ مع كونها بمعنى شيء؛ لأن المعنى لا ينافي ذلك، ومنهم مَن جعلها موصولةً، وليست بمعنى شيء (١٠).


(١) الأصول في النحو ٢/ ١٣٥.
(٢) النساء: ٣.
(٣) شرح الكافية الشافية ١/ ٢٧٧.
(٤) شرح التصريح على التوضيح ١/ ١٥٧.
(٥) المقتضب ٢/ ٥٠.
(٦) النور: ٤١.
(٧) الحديد: ١.
(٨) شرح الكافية الشافية ١/ ٢٧٧.
(٩) التوضيح لشرح الجامع الصحيح ٤/ ٧٨، إرشاد الساري ٨/ ٦٩.
(١٠) عمدة القاري ٢/ ٣٦٦.

<<  <   >  >>