للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اللغة؛ لما في ذلك من مدحٍ لهم بكثرة العمل (١)، وإن قيل: إن انتفاء النوم أفضل وأكمل للتهجد، كما في معنى (ما) النافية، فلا خلاف؛ لأنه قد يُعبَّر عن النفي بـ (القليل) (٢).

وإنما عُدِل عن كونها نافية؛ لأن (ما) يليها الاسمُ والفعل، فأشبهت حرفَ الاستفهام، وحرفُ الاستفهام لا يعمل ما بعده فيما قبلَه، فكذلك (ما) لا يعملُ ما بعدها فيما قبلها، فظهر ضَعفُ هذا القول ببطلان إعرابه، وهذا ما يراه البصريون (٣).

أما الكوفيون فيرون جوازَ ذلك، وحجتُهم أن (ما) بمنزلة (لم) و (لن) و (لا)، وكلها نافية، ويجوز تقديم معمولِ ما بعدها عليها، فإذا جاز التقديم مع هذه الأحرف، فكذلك مع (ما)، ورُدَّ هذا الوجهُ بمخالفتها أخواتها في عدم الاختصاص، ولما لها من حق الصدارة (٤).

وجوَّز بعضُهم عملَ ما قبل (ما) فيما بعدها، إذا كان خبرُها المقدمُ ظرفًا أو جارًّا ومجرورًا (٥)، وإلى هذا أشار ابن مالك بقوله (٦):

وَرَفْعُ مَا بِهَا زَيْدٌ بِـ (ما) ... وَمَوْضِعُ المجْرُوْرِ نَصْبٌ زَعَمَا

وَذَاكَ فِيهِ نَظَرٌ، وَالمُنْعَطِفْ

ومعنى ذلك أنه أمرٌ فيه خلاف.

ويرى ثعلبٌ جوازَ ذلك من وجه، وفسادَه من وجه آخر، فإذا كانت (ما) بمنزلة (لم) فمن هذا الوجه جائزٌ تقدمُ الخبر، أما إذا كانت (ما) جوابًا للقسم، نحو: (والله ما زيدٌ بآكل طعامك)، فلا يجوزُ التقديم، وعدَّ ابنُ الأنباري ذلك فاسدًا؛ لأن (ما) في كلا القسمين نافية؛ فينبغي أن يمتنع التقديم فيهما جميعًا (٧).


(١) التوضيح لشرح الجامع الصحيح ٩/ ٩٦، فتح الباري ٣/ ٢٩.
(٢) المفردات في غريب القرآن ٨٣٤.
(٣) الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين ١/ ١٤٠.
(٤) المصدر السابق ١/ ١٤٠، تفسير الألوسي ٤/ ٣١٩.
(٥) شرح جمل الزجاجي لابن عصفور ١/ ٣٧٧، شرح الكافية الشافية ١/ ٤٣٠.
(٦) شرح الكافية الشافية ١/ ٤٣٢.
(٧) الإنصاف في مسائل الخلاف ١/ ١٤٠.

<<  <   >  >>