للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من أسباب امتناعهم عن الاستشهادِ بالحديث الشريف: فُشُوُّ اللحن بدخول الأعاجم في الإسلام، مع إجازة العلماء روايةَ الحديث بالمعنى، فيصعبُ التيقنُ من أنَّ ما ورد في الحديث هو من ألفاظه - صلى الله عليه وسلم -، وممن يُمثِّلُ هذه الطائفة: ابن الضائع، وأبو حيَّان الأندلسي.

ثالثُها- طائفةٌ انتهجت منهجًا وسطًا -لا هي إلى الأخذ المطلق أقربُ، ولا إلى المنع المطلق أقرب؛ إذ كان منظورُهم لهذه المسألة مبنيًّا على غلبة الظن بأن ما ورد في حديثٍ ما هو من قوله - عليه السلام - لفظًا؛ فما ترجَّح لديهم أنه رُوي باللفظ فإنه يُستدل به، وما لم يكن كذلك فلا، وكان ممَّن سار على هذا النهج: الشاطبيُّ.

وبعد القراءة والتأمل لأبرزِ ما دار حولَ القضية من اتجاهاتٍ متعددة وآراءٍ متآلفة أو متخالفة، انتهى الباحثُ إلى أمرين:

أحدُهما: دراسةُ أسباب منع الاحتجاج بالحديث الشريف، والاحترازاتِ التي وضعها العلماءُ فيما رُوي بالمعنى، وستكون هذه الدراسة موجزة.

الثاني: إبداءُ الرأي في هذه القضية من خلال ما وقف عليه الباحثُ من الأدلة.

وليس من موضوعِ حديثِنا مسألةُ الحديث الموضوع أو الضعيف ونحوه مما لم يثبُت أنه حديثٌ، فهو ليس محلَّ خلافٍ أنه لا يُستشهدُ به.

وإنما الكلامُ عن الأحاديثِ الصحيحة الثابتة عند أهل الحديث في كتبه المعتمدة.

أولُ أسباب رفض الاستشهاد بالحديث: دخولُ الأعاجم الإسلامَ، ومشاركتُهم في رواية الحديث مع تفشِّي اللحن بعد الصدر الأول من الإسلام، ويبدو أن هذا الكلامَ لا يؤخذُ على إطلاقه؛ لأن الواقعَ يخالفُه، وكثيرٌ من علماء العربية أيضًا ليسوا من أصول عربية، وكذلك العلوم الأخرى، فمَن دخل الإسلامَ تعلمَ العربيةَ ووصل فيها إلى ما يكفي للمشاركة في العلم روايةً ودراية، ولهذا يبدو للباحث أن هذا السبب لا يُعد مانعًا من الاستشهاد بالحديث، خاصةً مع حرص كل مسلم على نقل الكلام بلفظه، خاصةً كلامَه - صلى الله عليه وسلم - الذي اعتنى به المسلمون عنايةً خاصة؛ حرصًا عليه وخوفًا من الكذب الذي حذَّر منه في مثل قوله: (مَن كذبَ عليَّ متعمدًا فليتبوأْ مقعدَه من النار) (١).


(١) صحيح البخاري ١/ ٣٣، صحيح مسلم ١/ ١٠.

<<  <   >  >>