للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والتقديرُ: (فعلتَ الوضوءَ وحده)، وكلا الوجهين جائز.

وقال السُّهَيلي: إن الرواة اتفقوا على الرفع؛ لأن النصب يُخرجه إلى معنى الإنكار (١).

ولا أدري أيقصدُ السهيلي أن الوضوء وحده يكفي لصلاة الجمعة؟ فلا يكونُ الأمر بحاجة إلى إنكاره، أم أن الإنكار لا يكونُ إلا على شيء محرم، ولذا لم يحمله على ترك الأفضلية والسبق؟

فمَن وجَّه رواية إثبات الواو جعل (الوضوء) معطوفًا على الإنكار الأول، والتوبيخَ على تأخر المجيء إلى الصلاة، وتركِ السبق إليها في أول وقتها، وهذا من أحسن التعريضات وأرشقِ الكنايات، كما وصفه ابنُ الملقن، وقولُ السهيلي وصفه ابنُ حجر بالغرابة بقوله: وأغربَ السهيلي (٢).

أما قول القرطبي بأن الواوَ عوضٌ من همزة الاستفهام، كما في قراءة ابن كثير (٣) في قوله تعالى: {قَالَ فِرْعَوْنُ وآمَنتُم بِهِ} (٤).

فقد رُد عليه بأن تخفيف الهمزة بإبدالها واوًا صحيحٌ في الآية؛ لوقوعها مفتوحةً بعد ضمة؛ لأن أصله (قال فرعون أآمنتم)، وأما في الحديث فليس كذلك؛ لوقوعها مفتوحةً بعد فتح؛ لأن أصله (فقالَ أَالوضوء)، فلا وجه لإبدالها فيه واوًا كما هو مقررٌ عند النحويين والصرفيين؛ في أن الهمزة المفتوحة المفتوحَ ما قبلها لا تُقلب واوًا (٥).

وقيل: إن الصواب في ذلك أن (آلوضوء) بالمد على لفظ الاستفهام، كقوله تعالى: {آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ} (٦)، فهمزةُ الاستفهام داخلةٌ على همزة الوصل (٧)، فتُسهل الهمزة (٨).


(١) نقلًا: فتح الباري ٢/ ٣٦٠.
(٢) المصدر السابق.
(٣) معاني القراءات للأزهري ١/ ٤١٩، السبعة في القراءات ٢٩٠.
(٤) الأعراف: ١٦٥.
(٥) الكتاب ٣/ ٥٥٤، شرح شافية ابن الحاجب ٣/ ٣٤، شرح الزرقاني على الموطأ ١/ ٣٧٥.
(٦) يونس: ٥٩.
(٧) شرح الزرقاني على الموطأ ١/ ٣٧٥.
(٨) شرح شافية ابن الحاجب ٣/ ٤٧.

<<  <   >  >>