للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:
مسار الصفحة الحالية:

كان فاقد الشعور والتمييز، وأحضر شاهدي الوصية عند القاضي، فطلبهما تفصيل شهادتهما التي أجملاها أولا، وإن الموصي حين أشهدهما على الوصية هل كان عند حسه وتمييزه أم لا؟ فأجاب أحدهما إن الذي أشهد به إن حواسه قاصرة في ذلك الوقت، وأجاب الآخر بأن لا أعلم أن له حواسا وتمييزا، أم لا، فهل يلزم مع ما ذكر تنفيذ هذه الوصية أم لا، وهل قول القاضي في آخر تسجيله على الوصية ما ذكر يعتبر حكما أم لا؛ لأن الثبوت غير الحكم أفتونا مثابين.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الملهم للصواب، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله والأصحاب، أما بعد؛ فأقول: لا يلزم تنفيذ هذه الوصية، حيث إن أحد شاهديها يجزم بأن الموصي حين شهد على إيصائه قاصر الحواس، وثانيهما أفاد بعدم علمه بحسه حين الإيصاء، ولا بعدم حسه لقول التسولي في شرحه على العاصمية: إن من شرط صحة الوصية أن يعقل الموصي القربة في الأمور، وأن لا يكون فيها تناقض، ولا تخليط. اهـ.

وقول القاضي في تسجيله الوصية فبموجب شهادة الرجلين المذكورين ثبتت لدي هذه الوصية، وصحت ليس بحكم لوجهين، (الوجه الأول) أن قول القاضي المذكور ليس بثبوت ولا حكم؛ لأن مجرد شهادة الشاهدين لا تقوم به الحجة على ثبوت السبب عند الحاكم، حيث بقيت عنده ريبة أو لم تبق، ولكن بقي عليه أن يسأل الخصم هل له مطعن أو معارض، ونحو ذلك على أن هنا لم يحضر حينئذ خصم، وقد قال في التبصرة نقلا عن القرافي، فلا ينبغي أن يختلف في هذا أنه ليس ثبوتا ولا حكما لوجود الريبة أو عدم الإعذار. اهـ.

(الوجه الثاني) أنه على فرض قيام الحجة على سبب الحكم بشهادة الشاهدين المذكورين؛ لانتفاء الريبة، وحصول الشروط، فهذا الثبوت ليس بحكم، وإنما الحكم من لازمه فيتعين على الحاكم الحكم إذا سئل به فصار الحكم من لوازم الثبوت، فيجب أن يعتقد أنه حكم، فهذا معنى قول الفقهاء من أهل المذهب المشهور أن الثبوت حكم يريد في هذه الصورة الخاصة، وليس ذلك في جميع صور الثبوت على أن هذا التشهير مخالف لما نقله الشيخ تقي الدين عن مذهب مالك رضي الله تعالى عنه أن الصحيح عندهم أي الحنابلة وعند المالكية: أنه ليس بحكم، وقاله الشيخ سراج الدين أيضا، وقال: إنه التحقيق، وقال ابن عبد السلام: وليس قول القاضي ثبت عندي كذا حكما منه بمقتضى ما ثبت عنده، فإن ذلك أعم منه، قال: وإنما ذكرنا هذا؛ لأن بعض القرويين غلط في ذلك، وألف المازري جزءا في الرد عليه، وجلب فيه نصوص المذهب، أفاده ابن فرحون في تبصرته، ثم ساق كلامي القرافي في كتاب الفرق بين الفتاوى والأحكام في السؤال الثلاثين، وفي القواعد في الفرق الخامس والعشرين والمائتين فانظره، ثمت فإنه لا بد منه في تحقيق المسألة، والله سبحانه وتعالى أعلم.

(تم والحمد لله).

<<  <