- (اللغة والنحو الصرف والبيان وأصول الفقه ومصطلح الحديث .. إلى غير ذلك، كل علوم الآلة).
وصار واحد زمنه في الفقه والأصول، وهو عاكف على مهنته لم يتركها وصار الناس يأتونه في محله يسألونه عن مشكلات المسائل وعويصات الوقائع، فيجيبهم بما يعجز عنه فحولة العلماء، وانقطع الناس عن المفتي من آل العمادي.
-الناس بدأت تترك المفتي الرسمي وتذهب لهذا الشيخ، فساء ذلك العماديين وآلمهم
فتربصوا بالشيخ وأضمروا له الشر، ولكنهم لم يجدوا له سبيلا، فقد كان يحيا من عمله ويحيا الناس من علمه.
كان يمر كل يوم بدار العماديين بقيمورية، وهو على إتان -حمارة- له بيضاء.
فيسلم .. السلام .. فمر يوما كما كان يمر، فوجد على الباب أخا للمفتي فرد عليه السلام، وقال له ساخرا: إلى أين يا شيخ، أذاهب أن إلى استانبول لتأتي بولاية الإفتاء، وضحك وضحك من حوله.
-يسخرون منه، أين تذهب يا شيخ؟ أتذهب إلى استانبول عاصمة الخلافة، أتذهب لتجيء من هناك منشورا بأن تكون أنت المفتي في البلد، وهذا كان أخو المفتي العمادي.
يقول: إلى أين يا شيخ؟ أذاهب أنت إلى استانبول لتجيء
أما الشيخ فلم يزد على أن قال له: إن شاء الله.
وصار في طريقه، حتى إذا ابتعد عنهم دار في الأزقة حتى عاد إلى داره، فودع أهله وأعطاهم نفقاتهم، وسافر، وما زال يفارق بلدا ويستقبل بلدا حتى دخل القسطنطينية فنزل في دار قريب من دار المشيخة -وهو شيخ الإسلام العثماني- وكان يجلس على الباب يطالع في كتاب أو يكتب في صحيفة، فيعرف الناس من زيه أنه عربي فيحترمونه ويجلونه ولم يكن الترك قد جنوا الجنة الكبرى بعد.