للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فرزقني الله منه شيئا كثيرا.

فلا أزال أدعو لأبي حنيفة في دبر كل صلاة وعندما ذكرته، لأن الله ببركته فتح لي باب العلم.

ربما كان لتجربة الإمام أبي حنيفة مع شيخه الإمام حماد أثر عظيم في مسلكه هذا.

لأن الإمام حمادا اكتشف نبوغ أبي حنيفة وعلو همته فخصه برعايته، وقربه من مجلسه مؤملا أن يكون حسنة من حسناته يهديها إلى الأمة.

انخرط أبو حنيفة النعمان في التعليم على يد شيخه حماد بالمسجد الجامع بالكوفة، وعندما لمس فيه النجابة وسرعة الحفظ وسلامة التفكير أجلسه بإزائه، واحترم رأيه، وشجعه على الاستقلال بالرأي والاجتهاد ولم يتبرم من كثرة أسئلته واستفساراته، لما فيها من عمق ودقة.

فمما يروى أن أبا حنيفة انصرف من مجلس حماد، بعد أن سأله عدة أسئلة، وألح في الجدل حتى احمر وجه حماد.

-احمر وجه الشيخ الذي قال لجاره واصفا صلاح تلميذه: هذا على ما ترى منه ..

-انظر إلى كثرة الأسئلة التي يسألها.

هذا على ما ترى منه -من كثرة انشغاله بالعلم- يقوم الليل كله ويحيه.

واستمر أبو حنيفة مع أستاذه ثمانية عشر سنة ولم يستقل بالدرس والتمحيص إلا بعد وفاة حماد.

ربما كانت نصيحة عابرة فيها تشجيع من عالم مخلص بداية نقطة تحول في حياة أحد النابغين إلى انتفاع عموم الأمة به.

فذلك الإمام الذي لقي نابغة كبير الهمة وقد جاور في الحرم المكي الشريف وخلى مكانه في التعليم والدعوة في بلده، فأرشده إلى تصحيح مساره بقوله: ليس هذا مكانك.

-لأن الذي يجاور في الحرم الشريف هذا يكون نفعه لازما، أما إذا كان شخص ينتفع به كل الناس، فهذا يجب أن يكون نفعه متعديا يعود إلى بلده ويشتغل بالتعليم والدعوة أولى.

<<  <  ج: ص:  >  >>