[علاقة العلم الحديث بالإسلام]
ننتقل إلى البحوث العلمية الحديثة، عندما يقوم أي شخص بتصميم آلة أو جهاز، فإنه يكون أخبر الناس بطريقة تشغيله، ولذلك دائماً يجعلون مع الأجهزة (كتلوج) يعرف ويبين طريقة استعماله وعلاماته، ويذكر فيه توصيات كأن يقول فيها: احذر التعامل معه بالطريقة الفلانية، وهذه أفضل طريقة للتعامل معه، إلى آخره، ولله المثل الأعلى، من الذي خلق هذا الإنسان؟ إنه الله سبحانه وتعالى كما قال تعالى: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:١٤].
العلم في هذا العصر منحاز بكل قوة إلى الإسلام، وليس معارضاً له، بل العلم منحاز غاية الانحياز إلى دين الإسلام، ولم يعرف أي صدام بين حقيقة علمية وبين نصوص الوحي الشرعي؛ لأن الذي خلق حقائق الوجود هو الله سبحانه وتعالى، والذي أنزل القرآن هو الله، فلا يمكن أبداً أن تتعارض آية مع حقيقة علمية ثابتة، وقد يحصل التعارض مع نظرية خاطئة، لكن مع حقيقة علمية فهذا مستحيل، فالعلم يكشف لنا بين يوم وآخر عن عجائب خلق الله سبحانه وتعالى، وعجائب طبيعة هذا الإنسان الذي خلقه الله سبحانه وتعالى، ولا يمكن أن يسعد الإنسان إلا بأن يتبع -ولله المثل الأعلى- (الكتلوج) الذي هو القرآن الكريم، هذه هي الحقيقة.
ولذلك الذي يريد السعادة من غير فلسفة ومن غير كلام كثير فليلتزم القرآن والسنة، هذا هو المختصر لطريق السعادة، انظر إلى الشرع وما طلبه منك فافعله والتزم أوامره تضمن السعادة، إن أردت التأكد والبحث والتسجيل سوف تجد أيضاً هذه الأدلة وهذه البراهين، ففيها المعجزات والآيات.
وأنا أسمي العلم الحديث القائم اليوم بالجاهل؛ لأنهم جردوه من الهدف الذي خلق من أجله، والذي كشفت حقائق العلم من أجله؛ لأن كل حقائق العلم ما هي إلا رسائل من الله سبحانه وتعالى إلى الخلق.
الآيات نوعان: آيات الله التنزيلية، وآيات الله التكوينية، الآيات التنزيلية هي التي تنزل عن طريق الوحي كالقرآن الكريم، والآيات التكوينية هي التي يبثها الله في صفحات هذا الوجود، يقول الشاعر: تأمل سطور الكائنات فإنها من الملأ الأعلى إليك رسائل وقد خط فيها لو تأملت خطها ألا كل شيء ما خلا الله باطل فلذلك قال الله تعالى: {نُورٌ عَلَى نُورٍ} [النور:٣٥] أي: نور الفطرة مع نور الوحي، نور الآيات التكوينية يتطابق مع نور الآيات التنزيلية، فلو فقه الناس لما نظروا إلى العلوم الحديثة هذه على أنها علوم معزولة عن الدين أبداً؛ لأنها من صلب الدين، هذا الأمر بالذات يتميز في علوم أكثر من غيرها بوضوح، كعلوم الجينات مثلاً، فهذه تنحاز جداً لقضية القدر بالمفهوم الإسلامي؛ لأن الإنسان له شفرة موجودة في خريطة شاملة بصفاته الجسدية والنفسية والوراثية بكل أنواعها إلى آخره.
فالشاهد أنهم عندما يخترعون شيئاً ما يجعلون له (كتلوج) أو شفرة حتى يتمكنوا من استعمال هذا الشيء المخترع.
كذلك تجدهم يفخرون بفنان عظيم من فنانيهم أو ممن يمارس صناعة التماثيل المحرمة، فهذا مايكل أنجلو صنع تمثالاً يضاهي به خلق الله ثم رفسه بيديه وقال له: انطق! والعياذ بالله.
كذلك هم ينبهرون بالفنان الذي يرسم لوحة جميلة جداً، فأنت كلما اقتربت أكثر من الصورة الطبيعية التي خلقها الله عليها ستجد الفرق كبيراً، والبون شاسعاً، وستجد أنهم استفادوا من مخلوقات الله سبحانه وتعالى، فهذا (الكمبيوتر) أخذوا فكرته من المخ والجهاز العصبي في الإنسان، وكذلك أخذوا فكرة الطيران من الطيور، نظروا كيف تطير، وكيف تركيب جسمها والأجنحة والذيل، فقلدوا ذلك فصنعوا الطائرة.
الشاهد أن خلق الله سبحانه وتعالى أبدع من صنع المخلوق، وهذا لا شك فيه ولا ريب؛ ولهذا لما دخلوا في التهجين الوراثي أفسدوا الزروع والثمار، وأفسدوا الحيوانات وكل شيء.
إذاً: العلم الحديث في غاية الانحياز إلى الإسلام، وكل العلوم الحديثة تجدها ليل نهار تقذف بالأدلة الجديدة الدالة على توحيد الله تبارك وتعالى، وتثبت أن دين الله هو الحق.
كذلك الإعجاز العلمي فيه أشياء جميلة جداً، مثلاً يقولون: إن الذي يغزل نسيج العنكبوب هي الأنثى وليس الذكر، وهذه حقيقة علمية مكتشفة، فتأمل قوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً} [العنكبوت:٤١]، فقال: (اتَّخَذَتْ) بتاء التأنيث.
نقول: ما علاقة هذا الموضوع بالصلاة؟ هناك في الجسم عوامل اليقظة والإجهاد التي تنشط الجسم، مثل هرمون النشاط الذي اكتشف حديثاً، وهذه حقائق موجودة في كتب الطب، وقد كتبها كفار لا يعرفون ما علاقة هذه الاكتشافات بالوحي.
هناك شخص عمل دراسة وخط رسوماً بيانية توضح عوامل النشاط، ومتى ترتفع ومتى تنخفض في أوقات معينة خلال اليوم.
يقول: على مدار السنة ما بين الساعة الثالثة إلى الخامسة ترتفع عوامل النشاط ارتفاعاً ملحوظاً، وفي آخر الليل عند طلوع الفجر بالذات تهبط وتنخفض، ثم من الساعة السابعة صباحاً تبدأ في الارتفاع إلى ما قبل الظهر بثلث ساعة، ثم تبدأ تنخفض، ثم بعد الظهر ترتفع الهرمونات التي تساعد الإنسان على النشاط والعمل، وتظل في الارتفاع، وبعد العصر عند المغرب تنخفض.
هذا الرجل يقول: في واضحة النهار من الساعة السابعة ترتفع هرمونات النشاط؛ لأن الناس يذهبون إلى أعمالهم، وفي الوقت الذي هو قبل الظهر تنخفض معدلات هرمونات النشاط، وكذلك عند الغروب، قال: وأنا مستغرب للجزئية الغريبة، ولم أجد لها تفسيراً، وهي ارتفاع نسبة هرمون النشاط ما بين الساعة الثالثة إلى الساعة الخامسة فجراً على مدار السنة، وهذه الفترة مرتبطة بوقت إعلان الفجر، فهو يقول: لا أعلم تفسيرها، ونحن نقول له: إن تفسيرها واضح، وهو أن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان وأوجد فيه هذه الهرمونات في جسمه وهي مهيئة له لأمر ما؛ وذلك لأنه خلق ليصلي.
فالبحوث العلمية الحديثة أظهرت أن مواقيت الصلاة التي شرعها الله سبحانه وتعالى لنا، تتوافق زمانياً مع أوقات النشاط (الفسيولوجي) للجسم، مما يجعل القيام بها في استطاعة المسلم المكلف دون عناء أو مشقة، ولذلك التهجد فيه مشقة؛ لأن التهجد يكون في وقت النوم، وهرمونات النشاط في أدنى مستوياتها، فلذلك يجاهد الإنسان نفسه ليستيقظ ويصلي.
ثم يقول: وهذا يجعل في استطاعة المسلم المكلف القيام بصلاة الفجر دون عناء أو مشقة، فإذا واظب المسلم على أدائها في أوقاتها، فهرمون (الكرسيدون) أو هرمون النشاط يبدأ في الازدياد بحدة مع دخول وقت صلاة الفجر، بينما ينخفض بدرجة ملحوظة أثناء الليل، ويتلازم منسوب ضغط الدم مع درجة إفراز (الكرسيدون)، حيث يبدأ ضغط الدم في الارتفاع إلى الحد (الفسيولوجي) المطلوب بدخول وقت صلاة الفجر، ويبدأ انخفاضه بعد الغروب، كما أن إفراز الكرسيدون يهبط إلى حده الأدنى بالنهار آخر وقت الضحى وحتى وقت الزوال، وهذا وقت القيلولة؛ لأن السنة أن ينام الإنسان القيلولة قبل وقت الظهر، وفي هذا الوقت يأتي وقت الاستواء الذي تكره فيه الصلاة.
ثم يقول: وهنا يستطيع الجسم أن ينال قسطاً من النوم والراحة الذي هو نوم القيلولة؛ لكي يعينه على قيام الليل، وإلا احتاج إلى مجاهدة إذا أراد قيام الليل للانخفاض الشديد في منسوب (الكرسيدون) أثناء الليل، الأمر الذي لا يقوى عليه إلا أرباب العزائم، وذوو الهمة العالية، فمن ثم قال تعالى: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً} [المزمل:٦]، ولهذا أيضاً كان قيام الليل من أفعال الأبرار الذين قال الله عنهم: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً} [السجدة:١٦].