هناك خلاف بين العلماء هل ترك الصلاة كفر أكبر يخرج من الملة أم هو كفر عملي من الكبائر العظام، لكنه لا يخرجه من الملة، ولا ينزع عنه صفة الإسلام؟ إن العلماء لهم تنبيه مهم جداً يذكرونه في مثل هذا الباب، سواء في باب وعيد قاتل النفس، أو حكم ترك الصلاة أو غير ذلك من الذنوب والكبائر العظام المهلكة، وهذا التنبيه هو: أنه لا ينبغي أن يتعرض لهذه النصوص بالتأويل، خاصة في غير مجلس علم، كأن يكون أمام عموم الناس كالخطب على المنابر، فعليك أن تأتي بالنصوص على وجهها، وأن تتركها تفعل فعلها، وتقع موقعها من القلوب، وهو الترهيب من مواقعة هذه الذنوب، والترغيب في التوبة منها، فلا ينبغي أن تقول: أنا أكتم العلم، فلا بد أن أفصل المسائل كلها، وأقول للناس كل الحقائق إلى غير ذلك، فهذا يقال في مجالس طلبة العلم والفقه، أما مع عموم الناس فلا ينبغي الإفاضة في ذكر تأويلات العلماء في مثل هذه الأشياء، فإذا أتيت بقوله صلى الله عليه وسلم:(لعن الله النامصة والمتنمصة) فلا تقل: هي فلانة بنت فلان التي تنمصت، وهي ملعونة؛ لأنك لا تدري لعلها تتوب، أو كانت جاهلة بالحكم، أو تفعل حسنات ماحية، فأنت لا تدري كيف تكون العاقبة، لكن عليك أن تأتي بالنصوص على عمومها، وتقول: من فعل كذا فهو كذا، أو لعن الله من فعل كذا، ومن فعل كذا فقد كفر، حتى لو كنت تعرف أن هذا كفر عملي لا يخرج من الملة، ففي مقام الدعوة العامة لا تؤوله، وكذلك في قوله تعالى:{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ}[النساء:٩٣] إلى آخره، فقد نهى العلماء عن التعرض لتأويل هذا النص، لكن اترك النص يفعل فعله، ويقع موقعه من قلب المستمع؛ لعله ينزجر عن الكبيرة، لأن كثرة الكلام في العذر بالجهل والعذر بالإكراه، وكثرة تأويل مثل هذه النصوص ممن لا يطيقون حمل هذه المعاني؛ يجعلهم يضعونها في غير موضعها؛ ولذلك فإن مقام الدعوة غير مقام التنظير والتأصيل والتقعيد؛ لأن التأصيل والتقعيد يكون في مجالس العلم بين العلماء، أما أمام العوام فيخشى أن يقع فيما حذر منه ابن مسعود رضي الله تعالى عنه بقوله:(ما أنت بمحدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم، إلا كان لبعضهم فتنة).
وقال علي رضي الله عنه:(حدثوا الناس بما يعرفون، أتريدون أن يكذب الله ورسوله؟).
فإذاً: ينبغي أن يخاطب الناس على قدر عقولهم؛ لأن بعض العوام إذا قلت له: الشيء الفلاني مكروه، المكروه عنده مباح، ويتمادى في فعله، كذلك إذا أولت مثل هذه النصوص، فإنها تضعف تأثيرها في قلبه؛ لقصر عقله، وقلة باعه في العلم، على أي حال تارك الصلاة يسمى كافراً قطعاً بلا خلاف؛ لأنه هكذا سماه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لكن الخلاف في هذا الكفر الذي يوصف به تارك الصلاة، هل هو كفر أكبر أم كفر أصغر؟ نحن في هذا المقام نتجنب ذكر التفاصيل واختلاف العلماء في حكم تارك الصلاة، وفي نوع هذا الكفر الثابت وصفه لتارك الصلاة تكاسلاً مع اعتقاده وجوبها، وإلا فلو جحد فهو كافر، لكن نحن نهمس فقط في أذن تارك الصلاة الذي لا ندري كيف يتمتع بنعم الله سبحانه وتعالى، ويدعي الانتساب للإسلام ومع ذلك لا يصلي؟!! كيف يكون في هذا خير؟!! نقول لتارك الصلاة: هل تقبل ويرضيك أن يكون انتسابك إلى ملة الإسلام، وإلى دين التوحيد، وإلى أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم محل خلاف بين العلماء؟! ففريق من العلماء يقول: إنك كافر مشرك حلال الدم والمال، وإنك لا تستحق الحياة، بل على ولي أمر المسلمين أن يقتلك ردة على ترك الصلاة، وإنه لا يجوز لك أن تتزوج من مسلمة، ولا تصلح ولياً شرعياً لأولادك، وإنك لا ترثهم ولا يرثونك، وإنك لا تغسل ولا يصلى عليك ولا تدفن في مقابر المسلمين، وإنك مستحق للخلود في جهنم مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف وأبي جهل وسائر أعداء الدين، فهذا الفريق الأول من العلماء يرى هذا الرأي في تارك الصلاة.
الفريق الآخر يقول: بل تارك الصلاة فاسق عاص فاجر مجرم، يجب قتله حداً إن أصر على ترك الصلاة.
فهل تقبل أن يكون انتماؤك إلى الدين أو إلى الإسلام أو إلى أمة محمد عليه الصلاة والسلام مسألة خلافية بين العلماء يتنازعون فيها؟ لا شك أن هذه دناءة ما بعدها دناءة أن يجعل الإنسان إسلامه وانتماءه للإسلام محل خلاف؛ فمن أجل ذلك يقول بعض العلماء: يا تاركاً لصلاته إن الصلاة لتشتكي وتقول في أوقاتها الله يلعن تاركي