روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال:(يكره أن يقوم الرجل إلى الصلاة وهو كسلان، ولكن يقوم إليها طلق الوجه، عظيم الرغبة، شديد الفرح؛ فإنه يناجي الله، وإن الله تجاهه يغفر له، ويجيبه إذا دعاه) يعني: إذا قام الرجل إلى الصلاة وهو كسلان ففيه شبه بالمنافقين الذين إذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى؛ لذلك كان السلف من الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم إذا أقيمت الصلاة يتسارعون إلى الصفوف الأولى لتحصيل الفضيلة.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم:(احضروا الذكر، وادنوا من الإمام، فإن الرجل لا يزال يتباعد حتى يؤخر في الجنة وإن دخلها).
قوله:(احضروا الذكر) يعني: احضروا مجالس الذكر.
قوله:(وادنوا من الإمام) فيه أمر بالقرب من الإمام في صلاة الجماعة، والإنسان العاقل الحريص على الثواب الأعظم ينبغي أن يحرص على الاقتراب من الإمام بقدر المستطاع.
نقف هنا وقفة نحتاجها، وهي أننا نرى بعض العوام أحياناً في صلاة الجماعة يأتي بعد أن تقام الصلاة ثم يذهب إلى أقصى المسجد من جهة اليمين، ويبدأ الصف من أقصى المسجد ويقول: من أجل أن يجعلنا الله من أهل اليمين! مع أن الصواب أن يكون خلف الإمام مباشرة، لا أن يذهب إلى أقصى اليمين ويقف هناك؛ لأن المقصود من الإمام المتابعة، فأنت كلما اقتربت من الإمام أكثر سمعته أكثر، وبذلك تستطيع أن تتابعه بدقة أكثر، لكن لو كنت بعيداً، ولا يوجد مثلاً كهرباء أو مكبر الصوت، فكيف ستسمع الإمام وتتابعه؟! فمن السنة الدنو من الإمام، فالدنو من الإمام يقتضي أن يكون الصف خلف الإمام مباشرة، وإلا لو كان الصف في أقصى اليمين وهم قليل لبقي الإمام واقفاً ولا يوجد أحد خلفه! وهذا خلاف السنة، فالسنة أن نكون خلف الإمام، ولابد أن نحسن تطبيق المفاضلة بين اليمين واليسار بالنسبة للإمام، ولذلك اختار النبي صلى الله عليه وسلم أفضل موضع لأفضل الخلق بعد الأنبياء وهم الصحابة فقال:(ليليني منكم أولو الأحلام والنهى) يعني: المكان الذي يكون خلف الإمام يخصص للعقلاء والفقهاء وحفظة القرآن الكريم، حتى إذا طرأ شيء أثناء الصلاة فهؤلاء نتيجة فقههم وحفظهم يتمكن الإمام من استخلافهم.
إذاً: لا بد أن يكون هناك نوع من التوازن بين الجناحين والوسط الذي هو خلف الإمام مباشرة، والدليل قوله في هذا الحديث:(احضروا الذكر، وادنوا من الإمام) يعني: اقتربوا من الإمام، وبلا شك أن من كان خلف الإمام مباشرة فهو أقرب ممن هو في أقصى الصف.
قوله:(فإن الرجل لا يزال يتباعد حتى يؤخر في الجنة وإن دخلها) هذا يتأخر بمرتبته في الآخرة لعدم الهمة في الحرص على الأماكن المقدمة في العبادة؛ لأن القرب من الإمام والتسابق على ذلك علامة الإقبال والحرص على طاعة الله تبارك وتعالى، أما الكسل والتراخي فهو دليل على الزهد في الثواب، ويدل على أنه يتثاقل ويتشبه بالمنافقين إذا قام إلى الصلاة، قال صلى الله عليه وسلم:(لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله) فالجزاء من جنس العمل، فإذا كنت تتعمد التأخر عن الصفوف الأولى وتتكاسل عن ذلك، ففي الآخرة يؤخرك الله في الجنة، فتضيع عليك مراتب أعلى كان يمكن أن تنالها.