[نماذج ممن اهتدوا إلى الإسلام بسبب الصلاة]
إن نسبة عظيمة جداً من حالات الاهتداء إلى الإسلام كان الخيط الأول أو البذرة الأولى فيها رؤية المسلمين وهم يصلون، فمجرد هذه النظرة كانت بداية الكثيرين ممن أسلموا؛ لأنهم محرومون من هذه الشعيرة العظيمة التي تدعو الفطرة إليها، فربما يكون عندهم شيء يسير من هذه الفطرة والحاجة والفقر إلى من يعتصمون به، لكن كيف يعبرون عن هذه الحاجة؟! وكيف يصلون ما بينهم وبين الله تبارك وتعالى إلا من خلال الصلاة؟! فنذكر بعض النماذج عمن اهتدوا إلى الإسلام، وكان الخيط الأول في هدايتهم أنهم رأوا مسلماً يصلي، ولذلك نلاحظ إخواننا في جماعة التبليغ يهتمون جداً بهذا الأمر؛ لأنهم يدركون هذه الحقيقة، فهم في المطارات والهيئات الحكومية في العالم وفي زحمة الجوازات وغير ذلك في أي مكان؛ تجد الواحد منهم يؤذن ويصلي حتى يقيم الحجة على الكفار، وحتى يوقظ فيهم الشعور بالحرمان من هذه النعمة؛ لأننا -نحن المسلمين- إذا لم نعش روح الصلاة، ونحس بروح الصلاة، ونقيمها حق إقامتها؛ تصبح عادة مع الوقت، فالنعمة تبقى معنا ونحن لا نشعر بقيمتها، لكن إذا نظر إليها محروم منها فإنها تقع في قلبه موقعاً عظيماً.
نبدأ أولاً بشهادة لرجل غير مسلم، وله كتب ومقالات عجيبة في إنصاف الإسلام والدفاع عنه، إنه تومس أرلون، وهو مشهور، وله كتاب (العقيدة الإسلامية) وغيرها من الكتب القيمة جداً في الدعوة إلى الإسلام، ومن أروع الكتب التي تتكلم عن التاريخ الإسلامي والدعوة الإسلامية هو هذا الكتاب.
يقول في كتابه (العقيدة الإسلامية): إن دين المسلم يتمثل دائماً في مخيلته وفي الصلوات اليومية، ويتجلى هذا الدين في طريقة نسكية خاشعة مؤثرة، لا تستطيع أن تترك العابد والمشاهد كليهما غير متأثرين.
يعني: لا يمكن للصلاة أن تترك الشخص الذي يصليها أو الذي ينظر إليه دون أن يتأثر بمنظر الصلاة! ويحدثنا إخواننا الذين يطالعون وسائل الإعلام الغربية: أن الإعلام الغربي بصفته تابع لليهود إذا جاء منظر المسلمين وهم يصلون فهم يأتون بالصورة بطريقة غير كاملة، تجد أنهم يقرنون الصورة بشيء يلفت انتباه النظر بعيداً عن روعة الصلاة ولذة الصلاة، مثل صورة رأيتها في بعض المجلات لبعض الشباب المسلمين أيام الانتفاضة وهم ساجدون في الشارع، والجنود اليهود يقفون أمامهم في الصفوف بمنتهى الاستكبار والصلف، رافعين الأسلحة، وينظرون إليهم في سخرية، والمهم أنهم لا يأتون بصورة الصلاة كاملة؛ لأن المعروف والمجرب أن الكافر إذا اطلع على صفة الصلاة كاملة، يشعر بالفقر وبالحرمان، ويشعر بانجذاب إليها، وبعضهم صرح أنه لما رأى منظر المصلين وهم يصلون قال: لا يمكن أن يعبد الله بطريقة أحسن من هذه! فلأنهم يدركون هذا المعنى فهم يحرصون دائماً على تشويه صورة المصلين، فلا يأتون بصورة الصلاة كاملة، وقد رأيت ذلك بنفسي في فيلم تسجيلي يسمى (سيف الإسلام)، حيث أتوا بالمصلين وهم يصلون في صورة أناس واقفين ويرفعون أيديهم، أهذه هي الصلاة فقط؟ كذلك الأذان لا يمكن أن يأتي الإعلام الغربي بالأذان كاملاً؛ لأن كثيراً من الناس انجذبوا إلى الإسلام بمجرد سماعهم صوت الأذان، وزاد انجذابهم عندما عرفوا معاني هذا الأذان.
يقول تومس أرلون أيضاً في كتابه (العقيد الإسلامية): هذا الفرض المنظم من عبادة الله، هو من أعظم الأمارات المميزة للمسلمين عن غيرهم في حياتهم الدينية، فكثيراً ما لاحظ السائحون وغيرهم في بلاد المشرق ما لكيفية أدائه من التأثير في النفوس.
وإليك ما قاله الأسقف لوفر واك يقول: لا يستطيع أحد يخالط المسلمين لأول مرة إلا يدهش ويتأثر بمظهر عقيدته، فإنك حيثما كنت سواء أوجدته في شارع مطروق، أم في محطة سكة حديدية، أم في حقل، كان أكثر ما تألف عينك مشاهدته أن ترى رجلاً ليس عليه أدنى مسحة للرياء، ولا أقل شائبة من حب الظهور، يذر عمله الذي يشغله كائناً ما كان، وينطلق في سكون وتواضع لأداء صلاته في وقتها المحدد.
ثم يقول: ولننتقل من صلاة الفرد إلى صلاة الجماعة، فنقول: إنه لا يتأتى لأحد يرى -ولو مرة في حياته- ما يقرب من خمسة عشر ألف مصل في ساحة المسجد الجامع بمدينة دلهي بالهند يوم الجمعة الأخيرة من شهر رمضان، وكلهم مستغرقون في صلاتهم، وقد بدت عليهم أكبر شعائر التعظيم والخشية في كل حركة من حركاتهم.
ثم يقول: إنه لا يتأتى لأحد يرى ذلك المشهد ألا يبلغ تأثره به أعماق قلبه، وألا يلحظ ببصره القوة التي تمتاز بها هذه الطريقة من العبادة عن غيرها.
ثم يقول: كما أن توقيت الأذان اليومي للصلاة في أوقات معينة، حينما يرن به صوت المؤذن في أبكر البكور قبل الإفطار، وعند الظهيرة والناس مضطربون ومصطخبون في أعمالهم، وعند المساء، هذا الأذان الذي يحصل في هذه الأوقات على تلك الصورة كل يوم مشحون هو الآخر بذلك الجلال عينه.
وينقل عن رينان إيرنس رنن -وهو فيلسوف فرنسي مشهور جداً- قوله: ما دخلت مسجداً قط دون أن تهزني عاطفة حارة! أو بعبارة أخرى: دون أن يصيبني أسف محقق على أنني لم أكن مسلماً.
نقول: ما منعك من الإسلام؟! وقد كان مشهد الصلاة من الأسباب المساعدة على دخول رجل يهودي من أهل الإسكندرية في الإسلام، كما حكى هو عن نفسه إذ قال: كنت مريضاً مرضاً شديداً فتمثل لي في أثنائه أن هاتفاً يهتف ويهيب بي أن أعلن إسلامي، ولما دخلت المسجد ورأيت المسلمين مصطفين للصلاة وقوفاً كالملائكة، سمعت في نفسي صوتاً يناديني بقوله: هذه هي الجماعة التي أنبأ بها الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
ثم يقول: ولما رأيت الخطيب يتقدم للخطبة، وعليه رداء أسود؛ وقع في نفسي وجدان الرهبة والخشية، ولما ختم خطبته بالآية الكريمة التي يقول الله تعالى فيها: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل:٩٠] وأقيمت بعد ذلك الصلاة، آنست من نفسي أنها سمت سمواً كبيراً، فقد بدت لي صفوف المسلمين كأنها صفوف الملائكة، -وهو لا يعرف الحديث (ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها) - وأن الله سبحانه قد تجلى عليهم في ركوعهم وسجودهم، وسمعت في نفسي منادياً يناديني بقوله: إن الله سبحانه إذا كان قد خاطب شعب إسرائيل مرتين في جميع القرون الخالية، فلا جرم أنه يخاطب هذه الجماعة في كل وقت من أوقات صلاتها، واقتنعت في نفسي بأني ما خلقت إلا لكي أكون مسلماً.
هناك أيضاً قصة فيها ذكر سبب إسلام أحد اليهود: كان هناك محام منذ زمن في مصر، وكان من أشهر المحامين على الإطلاق في مصر، وهو زكي عريبي، وكان عميد اليهود في مصر، يحكي الدكتور عيسى عبده رحمه الله تعالى في كتاب له بعنوان (لماذا أسلموا؟) عن حالة هذا المحامي اليهودي وما الذي أداه إلى الإسلام، يقول: كان زكي عريبي يتحرق شوقاً إلى الإسلام كلما رأى مسجداً، أو وقعت عيناه على رجل يصلي لله في خشوع، ويبتهل إليه في خضوع، وكان قلبه ينشرح حين تقع في أذنيه كلمات الأذان تدعو الناس إلى عبادة الواحد الديان، وكان هناك سؤال يتردد في نفسه، ويلح على عقله دائماً وهو: لماذا لا يعتنق الإسلام؟ وكان هذا الخاطر يعلو صوته في داخله، ويهزه من أعماقه كلما رأى بين الحقول رجلاً متواضعاً من زارعي الأرض يقف بين يدي الله مؤدياً صلاته في المصلى الصغير على شاطئ الترعة، فكان يود لو كان يصلي مثل صلاته، ويناجي مثل مناجاته، وهي قصة طويلة انتهت بإعلانه إسلامه، وكان عمره خمساً وستين سنة.
ورجل ألماني رأى مسلماً ساجداً فتعجب أشد العجب من هذه الحركة، مما حدا به أن ينتظر حتى ينتهي ذلك المسلم من صلاته، فلما انتهى تقدم إليه وسأله عن معنى هذه الحركات، وبخاصة ما يتعلق بالسجود، فبين له ذلك المسلم معنى الصلاة وحكمتها وآثارها، فأصيب وهو يستمع إلى الشرح بما يشبه الذهول الممزوج بالفرحة، وكأنه قد وقع على ما كان يبحث عنه منذ سنين، وبين للمسلم سبب تعجبه، وهو أنه أصيب بمرض نفسي وضيق دائم، وأنه ما أن يلصق جبهته بالأرض حتى يشعر بالراحة، وكلما عاوده ذلك الضيق النفسي عاد لإلصاق جبهته بالأرض ليجد راحته، حتى رأى ذلك المسلم فعرف سر تلك الراحة التي كان يشعر بها، فاصطحبه ذلك المسلم إلى المركز الإسلامي في ميونيخ حيث شرح له المسلمون هناك الإسلام، وإثر ذلك أعلن شهادة التوحيد، ودخل في الإسلام.
وهذا رجل ثري جداً من أثرياء الهندوك في الهند، ويدعى كوك هلال جابا وصار اسمه بعد إسلامه خالد لطيف جابا وكان سياسياً وصحافياً ومؤلفاً مشهوراً في الهند، يحكي عن الإشعاعات النورانية الأولى التي أشرقت في قلبه، مبيناً أن مصدرها كان هو مشهد المسلمين وهم يصلون، يقول: كنت كلما مررت بأحد المساجد للمسلمين في الهند أفعم قلبي بالإحساس بعظمة هذا المكان وقدسيته، وكنت أشعر دوماً أن المؤذن وهو ينادي إلى الصلاة كأنه يقصدني أنا بالذات في ندائه ذلك، وكأن هاتفاً من داخله يجيبه قائلاً: هيا بنا إلى الصلاة، هيا بنا إلى الفلاح، كان قلبي يريد الانضمام إلى جماعة المؤمنين في المسجد، وكان النداء والدافع قوياً إلى درجة أني لم أتمالك نفسي من الدخول إلى المسجد، والوقوف في صف المسلمين، والحقيقة أنني لم أستطع مقاومة ذلك، وظللت أفعله فترة طويلة من الزمن! يعني: قبل أن يدخل الإسلام كان ينجذب إلى المسجد، ولا يستريح إلا إذا دخل في الصفوف وصلى معهم.
وهذه الأخت الفلبينية جميلة لاما، والتي كانت قد ربيت تربية كاثولوكية صارمة، ثم أشرق قلبها بنور ربها فأسلمت له وجهها، تحكي عن بعض التجارب التي مرت بها، وكانت عبارة عن إرهاصات سبقت إسلامها فتقول في قصة طويلة: والغريب أنني كنت أستيقظ عند الفجر، وتحدوني رغبة قوية للصلاة! يعني: كأن الإنسان خلق ليصلي.
ويوجد بحث لم يتيسر لي أن أحضره في مجلة طبية إنجليزية، يتحدث الباحث وهو كافر لا علاقة له بالإسلام، ولا عنده خبر به والله أعلم، يتحدث