للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[النفاق يورث الكسل في العبادة]

قال عز وجل في شأن المنافقين: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى} [التوبة:٥٤].

قال ابن عباس: (إن كان في جماعة صلى؛ لأن الناس يراقبونه، وإن انفرد لم يصل؛ لأنه يخشى الناس ولا يخشى الله).

هذا شأن المنافق، إن كان في جماعة صلى، وإن انفرد لم يصل؛ لأنه لا يرجو على الصلاة ثواباً، ولا يخشى في تركها عقاباً.

فالنفاق يورث الكسل في العبادة لا محالة، وإنما يدفعهم إلى الصلاة الرغبة في إرضاء الناس، والتظاهر بالإيمان، فراراً من الذنب، وسعياً إلى الكسب والمغنم، وإذا قاموا كسالى إلى الصلاة، فلن يؤدوها بخشوع وحضور قلب، بل وهم شاردون عن الخالق إلى المخلوق، كما قال تعالى في شأنهم: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [الماعون:٤ - ٧].

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون:٥]: إما ساهون عن وقتها الأول فيؤخرونها إلى آخره دائماً أو غالباً، وإما ساهون عن أدائها بأركانها وشروطها على الوجه المأمور به، وإما ساهون عن الخشوع فيها والتدبر لمعانيها، فاللفظ يشمل ذلك كله، ولكل من اتصف بشيء من ذلك قسط من هذه الآية، ومن اتصف بجميع ذلك فقد تم له نصيبه منها، وكمل له النفاق العملي.

وهذا في حق من يؤخر الصلاة حتى يخرج وقتها، فما بالك بمن يترك الصلاة بالكلية؟! فما بالك بعفيف الجبهة الذي لا يسجد لله أصلاً؟! وقال صلى الله عليه آله وسلم ذاماً لمن أخر الصلاة عن وقتها: (تلك صلاة المنافقين، تلك صلاة المنافقين، تلك صلاة المنافقين، يجلس أحدهم يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني الشيطان -أو على قرني الشيطان- قام فنقر أربعاً لا يذكر الله فيها إلا قليلاً) رواه مسلم وغيره، وهذه هي صلاة العصر.

وإذا كان المنافق شر البرية مع أنه يكسل في الصلاة أو يؤخرها عن وقتها، فشر منه من لا يصلي لله أصلاً، ولا يعرف السجود إلى جبهته سبيلاً.

قال عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه في شأن صلاة الجماعة: (ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها -أي: عن صلاة الجماعة- إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان يؤتى بالرجل يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف) رواه مسلم.

يعني: أن الصحابة رضي الله تعالى عنهم كانوا يحرصون على أداء صلاة الجماعة، مع أن الله سبحانه وتعالى قد عذرهم بالمرض الشديد الذي يعجزهم عن الخروج إلى الصلاة، ومع ذلك لم تطق قلوبهم أن يتخلفوا عن صلاة الجماعة، فكان الرجل منهم يؤتى به يهادى بين الرجلين، يعني: يسنده اثنان من اليمين ومن الشمال ويمشي بينهما معتمداً عليهما من ضعفه وتمايله، فهؤلاء هم المؤمنون الخلص، عذر الله أبدانهم، لكن مع ذلك لم تطق قلوبهم التخلف عن صلاة الجماعة! وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (كنا إذا فقدنا الرجل في الفجر والعشاء أسأنا به الظن) وهذا الأثر صحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما، وهو يؤيد ما ذكرناه من أن التخلف عن صلاة الجماعة من علامات النفاق، فكيف بترك الصلاة أساساً؟! فما بال من لا يصلي لا جماعة ولا منفرداً؟! لا شك أنه أولى بسوء الظن من هذا.

قوله: (كنا إذا فقدنا الرجل في الفجر والعشاء أسأنا به الظن) يعني: شككنا أنه من المنافقين.

<<  <  ج: ص:  >  >>