عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:((ضرب الله هذا المثل في قوله: {مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ}[النور:٣٥]) لأولئك القوم الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله، وكانوا أتجر الناس وأبيعهم) قوله:(كانوا أتجر الناس) يعني: كان الصحابة أشد الناس خبرة بالتجارة.
قوله:(وأبيعهم) يعني: أقدرهم على البيع والعمل وهذه الأشياء، ولكن مع ذلك كانوا إذا أتى وقت الصلاة فإنها لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة.
ثم يقول:(وكانوا أتجر الناس وأبيعهم، ولكن لم تكن تلهيهم تجارتهم ولا بيعهم عن ذكر الله).
وعن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال:(إن ناساً من أهل السوق سمعوا الأذان فتركوا أمتعتهم وقاموا إلى الصلاة، فقال: هؤلاء الذين قال الله عز وجل فيهم: {رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ}[النور:٣٧]).
وعن إبراهيم قال: هم قوم من القبائل في الأسواق إذا حانت الصلاة لم يشغلهم شيء.
وقال سفيان الثوري رحمه الله: كانوا يشترون ويبيعون ولا يدعون الصلوات المكتوبات في جماعة.
وتأمل كيف ربط الله سبحانه وتعالى بين تركهم الارتزاق لأجل الصلاة في قوله تعالى:{رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ}[النور:٣٧] وبين قوله بعدها {لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}[النور:٣٨] فهؤلاء التجار الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله عز وجل أو غيره من الطاعات، يكافئون بالرزق؛ لأنه من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه، فهم إذا جاء وقت الصلاة أغلقوا محلاتهم وخرجوا إلى الصلاة ثم عادوا، فما جزاؤهم؟ يقول الله تعالى:{لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}[النور:٣٨]، فالله سبحانه وتعالى يبارك لهم في الرزق، حتى لو كان الرزق قليلاً فتحصل فيه البركة، والبركة شيء لا يوصف، لكن نستطيع أن نشعر بهذه البركة، وذلك لو أن إنساناً رزق مالاً كثيراً لكن نزعت منه البركة، فتراه ينفق هذه الأموال على الأدوية والأمراض، وينفق هذا المال في اللهو والمعاصي ويكون وبالاً عليه، أو ينفق هذا المال فيما لا فائدة منه، بخلاف المال القليل الذي يكون فيه البركة من الله سبحانه وتعالى.