[الصلاة نجاة من عذاب الله تبارك وتعالى]
إن من خصائص الصلاة وفضائلها أنها نجاة من عذاب الله تبارك وتعالى، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تحترقون تحترقون) -يعني: تقعون في الهلاك بسبب الذنوب الكثيرة التي ترتكبونها- فإذا صليتم الصبح غسلتها، ثم تحترقون تحترقون فإذا صليتم الظهر غسلتها، ثم تحترقون تحترقون فإذا صليتم العصر غسلتها، ثم تحترقون تحترقون فإذا صليتم المغرب غسلتها، ثم تحترقون تحترقون فإذا صليتم العشاء غسلتها، ثم تنامون فلا يكتب عليكم شيء حتى تستيقظوا) وهذا حديث حسن.
قوله: (ثم تنامون) يعني: وقد كفرت الصلوات الخمس ما بينها من الذنوب، فلا يكتب عليكم شيء حتى تستيقظوا؛ لأن الإنسان الذي يفعل المعاصي باستمرار ظالم، ونوم الظالم عبادة كما يقولون؛ لأنه يكف شره عن نفسه أو عن غيره، فهذا المعنى نفهمه من قوله: (ثم تنامون فلا يكتب عليكم شيء حتى تستيقظوا).
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن لله ملكاً ينادي عند كل صلاة: يا بني آدم! قوموا إلى نيرانكم التي أوقدتموها فأطفئوها).
قوله: (قوموا إلى نيرانكم التي أوقدتموها) أي: بالذنوب.
وعن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه موقوفاً: (ألا إن الله يضحك إلى رجلين: رجل قام في ليلة باردة من فراشه ولحافه ودثاره فتوضأ، ثم قام إلى الصلاة، فيقول الله عز وجل لملائكته: ما حمل عبدي هذا على ما صنع؟ فيقولون: ربنا! رجاء ما عندك وشفقة مما عندك -يعني: رجاء ما عندك من الثواب، وشفقة مما عندك من العذاب- فيقول: فإني قد أعطيته ما رجاه، وأمنته مما يخاف).
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (رأيت في المنام أنه جاءني ملكان في يد كل واحد منهما مقمعة من حديد، ثم لقيني ملك في يده مقمعة من حديد، قالوا: لم ترع -يعني: اطمئن لا تخف-، نعم الرجل أنت لو كنت تتقن الصلاة من الليل، فانطلقوا بي حتى وقفوا بي على شفير جهنم) إلى آخر الحديث، وهو متفق عليه.
وفي آخر الحديث: (فما ترك عبد الله بن عمر بعد ذلك قيام الليل أبداً)، فاستفاد رضي الله عنه من هذا الحديث؛ لأنه علم من هذه الرؤية أن الصلاة بالليل منجاة من العذاب.
ويروى عن عبد الرحمن بن سمرة بن حبيب رضي الله عنه قال: (خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً وكنا في صفة بالمدينة فقام علينا، وقال: إني رأيت البارحة عجباً -إلى أن قال-: ورأيت رجلاً من أمتي احتوشته ملائكة العذاب -أي: أحاطت به- فجاءته صلاته فاستنقذته من أيديهم).
وقد ضمن الله عز وجل النجاة من النار لمن حافظ على صلاتي الفجر والعصر، فعن عمارة بن رويبة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لن يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها) يعني: صلاة الصبح وصلاة العصر.
وورد في الحديث: (من صلى البردين دخل الجنة).
حتى أهل المعاصي وأهل الفساد الذين كانوا لا يتركون الصلاة مع مقارفة المعاصي تنفعهم صلاتهم، فالإنسان في حالة المعصية لا يغفل عن ذكر الله؛ لأن المعصية مع ذكر أفضل من معصية مع غفلة، وعسى الذكر أن يوقظ قلبه من سباته وغفلته.
فالإنسان لا يقنط من روح الله؛ لأن بعض الناس يريد أن يستغفر أو يدعو الله سبحانه وتعالى أو يسأله من رحمته فيقول: وأنى يستجيب الله لي وأنا أفعل كذا وكذا من المعاصي والتقصير؟! لا، هذا من تلبيس الشيطان، لكن على الإنسان دائماً أن يكون عنده أمل في رحمة الله تبارك وتعالى، وطمع في عفوه عز وجل، ويطرق باب التقرب إلى الله سبحانه وتعالى.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا فرغ الله من القضاء بين العباد، وأراد أن يخرج من النار من أراد أن يرحم، ممن كان شهد أن لا إله إلا الله؛ أمر الله أن يخرجوهم) يعني: يأمر الله الملائكة أن تخرج من النار من قال: لا إله إلا الله بشروطها، فالملائكة تعرف هؤلاء المذنبين الذين ماتوا مصرين على الكبائر ولم يتوبوا منها، أما لو تابوا توبة صحيحة فتقبل توبتهم، فمن لم يتب فهم تحت المشيئة إن شاء الله عذبهم وإن شاء غفر لهم، فهناك فئة من الموحدين سيدخلون النار ويعذبون، وهم الذين كانوا يفعلون كثيراً من الذنوب والمعاصي والكبائر الموبقات والمهلكات، لكن الله سبحانه وتعالى يأمر الملائكة أن تخرجهم من النار، فالملائكة تتعرف على هؤلاء بعلامة السجود في وجوههم، فيميزونهم عن غيرهم بعلامة السجود فيخرجونهم من النار، فهؤلاء كانوا يرتكبون المعاصي وأصروا عليها حتى ماتوا، لكن ما كانوا يقصرون أبداً في الصلاة.
إذاً: العاصي حثه أن يصلي، ولا تقل له: لا تنفعك صلاتك؛ لأنك تفعل كذا وكذا، لا بالعكس، عليك أن تحثه على الصلاة حتى ولو كان مقصراً؛ لأن الصلاة مع المعاصي سوف تنفعه، إما في الدنيا بأن تنهاه عن الفحشاء والمنكر كما في حديث الرجل الذي كان يسرق، فقال عنه النبي عليه الصلاة والسلام: (أما إن صلاته ستنهاه) أي: ستنهاه عن هذا المنكر، وإما أنها ستنفعه في الآخرة بهذه الحيثية التي ذكرت في الحديث: (أمر الله أن يخرجوهم فيعرفونهم بعلامة آثار السجود، وحرم الله على النار أن تأكل من بني آدم أثر السجود).
فانظر أثر السجود كيف أنه حبيب إلى الله سبحانه وتعالى، حتى إنه ليعذب جسمه ما عدا الموضع الذي كان يسجد عليه، وليس هذا معناه: أن يجتهد الإنسان في العبادة حتى يكون له علامة الصلاة في الجبهة، لا، بل علامة الصلاة كما في قوله تعالى: {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} [الفتح:٢٩] هي الخشوع والتواضع والمسكنة، وإلا فإن هذه العلامة المعروفة -كما قال بعض السلف- قد تكون بين عيني من هو أقسى قلباً من فرعون، يعني قد تكون لإنسان منافق، لكن المقصود موضع السجود.
ثم يقول: (فيعرفونهم بعلامة آثار السجود، وحرم الله على النار أن تأكل من بني آدم أثر السجود، فيخرجونهم قد امتحشوا) يعني: تفحموا واحترقوا من العذاب والعياذ بالله! ثم يقول: (فيصب عليهم من ماء يقال له: ماء الحياة، فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل)، وهذا الحديث متفق عليه.
فالصلاة تشفع لصاحبها وتحفظه كما قال تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ} [البقرة:١١٠] وأهم الخير ما ذكر في سطر الآية، إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة.
قوله: (وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُمْ) يعني: أن العبادة تنفعك أنت أما الله فغني عنك وعن العالمين، فصلاتكم لا تنفعه ولا تفيده شيئاً وإنما هي لأنفسكم.
وقال صلى الله عليه وسلم: (من حافظ على أربع ركعات قبل الظهر وأربع بعدها حرم على النار).