للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[طلب الرزق وسيلة لا غاية]

لقد بين جل وعلا أن المال خادم وأن الدين مخدوم، وهذا معنى في غاية الأهمية؛ لأن الرزق والمعاش يكون بالمال، فلا بد أن نعرف مراتب الأعمال: من السيد ومن الخادم؟ من الخادم ومن المخدوم؟ فهل المال خادم أم مخدوم؟ أو بتعبير آخر: هل المال وسيلة أم غاية؟ هل يراد المال لذاته أم يراد لغيره؟ لا شك أنه يراد لغيره، فالمال خادم والدين هو المخدوم، فالمال هو الذي يخدم العبادة، فلا يضحى بالعبادة من أجل المال.

إذاً: من يقول: إن العمل عبادة ويضيع الصلاة فإنه يخدع نفسه، فهنا صير الخادم مخدوماً، فبدل ما كان الدين هو المخدوم صار هو الخادم للدنيا وللمال، مثل الذي يريد أن ينظف أسفل نعله، فيمسحه في خده، فالخد عضو شريف، والنعل خادم لهذا الجسم، فأنت لما تحول الخادم إلى مخدوم والمخدوم إلى خادم قلبت الأمور.

وهذا مما يوضح لنا إبطال هذا المعنى، وهو الذي يتذرع به بعض الناس حين يضيعون الصلاة ويقولون: العمل عبادة.

يوجد حديث صح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول فيه: (إن الله عز وجل قال: إنا أنزلنا المال لإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، ولو كان لابن آدم واد من ذهب لأحب أن يكون له ثان، ولو كان له واديان لأحب أن يكون له ثالث، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ثم يتوب الله على من تاب) يعني: أن الإنسان سيظل ملازماً وحريصاً على المال والازدياد من المال والطمع في الدنيا إلى أن يموت ويمتلئ جوفه من تراب قبره.

ومعنى قوله عز وجل: (إنا أنزلنا المال لإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة) أي: أن المال إنما أنزل ليستعان به على إقامة حقوق الله تعالى، لا للتلذذ والتمتع به كما تأكل الأنعام، فالأنعام تعيش لتتلذذ وتتمتع بالطعام ونحو ذلك، أما بالنسبة للإنسان فإنما أنزل له المال ليستعين به على أداء حقوق الله تبارك وتعالى، فإذا خرج المال عن هذا المقصود فات الغرض والحكمة التي أنزل لأجلها، وكان التراب أولى به، فرجع المال والجوف الذي امتلأ بمحبته وجمعه إلى التراب الذي هو أصله، فلم ينتفع به صاحبه، ولا انتفع به الجوف الذي امتلأ به.

<<  <  ج: ص:  >  >>