[تارك الصلاة استحوذ عليه الشيطان]
إذا كانت الصلاة فيها مراغمة للشيطان، فإن ترك الصلاة سبب لاستحواذ الشيطان على العبد، قال الله عز وجل: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ * حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ * وَلَنْ يَنفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ} [الزخرف:٣٦ - ٣٩].
فالصلاة أشرف صورة لذكر الرحمن؛ لأن الصلاة اجتمعت فيها كل العبادات القلبية والبدنية والقولية، اجتمع فيها الذكر بكل أنواعه، وأشرفه قراءة القرآن الكريم في القيام، وفيها الركوع والسجود والخشوع، وأحوال القلب كلها تجتمع في الصلاة، فهي أولى ما يطلق عليه ذكر الله تبارك وتعالى، وهي خير موضوع كما أسلفنا.
يقول تعالى: (ومن يعش عن ذكر الرحمن) أي: من يغفل ويعرض عن ذكر الرحمن يعاقبه الله بأن يقيض له شيطاناً فهو له قرين.
قوله: (وإنهم) أي: الشياطين (ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون.
حتى إذا جاءنا قال: يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين، ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون).
فمن يضيع الصلاة يضيعه الله ويخذله ويعاقبه بأن يقيض له شيطاناً يقارنه فلا يفارقه لا في الإقامة ولا في المسير، ويكون مولاه وعشيره، فبئس المولى وبئس العشير، فيتخذ قلبه المريض وطناً، ويعده مسكناً، إذا تصبح بطلعته حياه وقال: حييت من قرين، لا يفلح في دنياه ولا في أخراه، وكأن القرين يخاطب هذا المنحرف معتزاً به؛ لأنه يضيع الصلاة، فإذا رأى محياه وطلعته كأنه يخاطبه كما قال بعض العلماء قائلاً له: قرينك في الدنيا وفي الحشر بعدها فأنت قرين لي بكل مكان فإن كنت في دار الشقاء فإنني وأنت جميعاً في شقاً وهوان وعن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان، فعليكم بالجماعة، فإنما يأكل الذئب القاصية من الغنم).
قوله: (ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة) ما هي العقوبة؟ (إلا استحوذ عليهم الشيطان) سيطر عليهم الشيطان.
قوله: (فعليكم بالجماعة) يعني: صلاة الجماعة.
قوله: (فإنما يأكل الذئب القاصية) أي: الذئب إذا أراد أن يفترس الشاه لا يفترسها وهي في القطيع، وإنما يترقب ويتربص حتى إذا شذت واحدة وانفردت؛ فإنه يستحوذ عليها ويفترسها.
فبين صلى الله عليه وآله وسلم أن الشيطان ذئب الإنسان، وهو أعدى عدو الله، وكما أن الطائر كلما علا بعد عن الآفات، وكلما نزل احتوشته الآفات، فكذلك الشاة كلما كانت أقرب من الراعي كانت أسلم من الذئب، وكلما بعدت عن الراعي كانت أقرب إلى الهلاك، فأحمى ما تكون الشاة إذا قربت من الراعي.
قوله: (وإنما يأخذ الذئب القاصية من الغنم) أي: البعيدة من الراعي.
قال بعض السلف: رأيت العبد ملقى بين الله سبحانه وبين الشيطان، فإن أعرض الله عنه تولاه الشيطان، وإن تولاه الله لم يقدر عليه الشيطان.