[الصلاة نجاة من عذاب القبر]
الحمد لله حق حمده، والصلاة والسلام على محمد رسوله وعبده، وعلى آله وصحبه من بعده.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
الصلاة نجاة من عذاب القبر، فطاعة الله تبارك وتعالى هي خير ما يقدمه الإنسان ويدخره في قبره، يقول الله سبحانه وتعالى: {مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ} [الروم:٤٤].
قال مجاهد: {فَلِأَنفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ} [الروم:٤٤] يعني: في القبر.
وعن أنس رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يتبع الميت ثلاثة فيرجع اثنان ويبقى واحد: يتبعه أهله وماله وعمله، فيرجع أهله وماله، ويبقى عمله) متفق عليه.
وقد وصف لنا الصادق المصدوق صلى الله عليه وآله وسلم تفاصيل ما يجري في أول لقاء يتم في القبر، بين المؤمن وبين عمله الصالح الذي يصحبه ولا يفارقه، ففي حديث البراء الطويل قال صلى الله عليه وسلم في المؤمن: (فيأتيه من روحها وطيبها -يعني: من روح الجنة وطيبها وهو في قبره- ويفسح له في قبره مد بصره، قال: ويأتيه رجل حسن الوجه، حسن الثياب، طيب الريح، فيقول: أبشر بالذي يسرك، أبشر برضوان من الله، وجنات فيها نعيم مقيم، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول له: وأنت فبشرك الله بخير، من أنت؟! فوجهك الوجه يجيء بالخير، فيقول: أنا عملك الصالح، فوالله ما علمتك إلا كنت سريعاً في طاعة الله بطيئاً في معصية الله، فجزاك الله خيراً، ثم يفتح له باب من الجنة)، وهذا الحديث صحيح.
فالشاهد فيه: أنه في اللقاء الأول الذي يدوم إلى وقت الخروج من القبور يبقى العمل الصالح مؤنساً للإنسان في قبره بهذه الحيثية، يقول: (أنا عملك الصالح فوالله ما علمتك إلا كنت سريعاً في طاعة الله) أي: يبادر إلى الطاعات.
قوله: (بطيئاً في معصية الله فجزاك الله خيراً، ثم يفتح له باب من الجنة) ولاشك أن الصلاة تأتي في مقدمة الأعمال الصالحة التي تحفظ صاحبها من عذاب القبر.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الميت إذا وضع في قبره إنه ليسمع خفق نعالهم حين يولون عنه، فإن كان مؤمناً كانت الصلاة عند رأسه، وكان الصيام عن يمينه، وكانت الزكاة عن يساره، وكان فعل الخيرات من الصدقة والصلة والمعروف والإحسان إلى الناس عند رجليه، فيؤتى من قبل رأسه -أي: تأتيه ملائكة العذاب من قبل رأسه- فتقول الصلاة: ما قبلي مدخل) أي: لا يوجد طريق للمرور من ناحيتي، لا سبيل لكم إلى تعذيبه من ناحيتي؛ لأنه لم يكن يقصر في الصلاة هذا معنى: (ما قبلي مدخل) لأن الصلاة قوية وكاملة، ولا يوجد ثغرات بحيث ينفذ منها العذاب إلى هذا المؤمن.
ثم قال: (ثم يؤتى عن يمينه فيقول الصيام: ما قبلي مدخل، ثم يؤتى عن يساره فتقول الزكاة: ما قبلي مدخل، ثم يؤتى من قبل رجليه، فيقول فعل الخيرات من الصدقة والصلة والمعروف إلى الناس: ما قبلي مدخل) وهذا حديث حسن.