إن من فضائل الصلاة أنها ملجأ المؤمن في الكربات، فإذا ألمت بالمسلم الكربات أو نزلت به النوازل فالصلاة ملجأ له، وليس هذا إلا للمؤمن؛ لأن الله تبارك وتعالى قال:{وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ}[البقرة:٤٥] أي: يستثقلها عامة الناس ما عدا الخاشعين {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}[البقرة:٤٦].
في الصلاة استجابة لغريزة البشر النوعية، غريزة الافتقار والضعف والطلب، فالإنسان من حيث هو إنسان فيه هذه الغريزة أو هذه الفطرة، فالإنسان مهما نال من الأماني أو من الأشياء التي يحس أنه مفتقر إليها، فإنه يشعر أن الفقر مازال صفة لازمة له، فهو لا يستقر قلبه ولا يطمئن ولا يشعر بالغنى إلا إذا ظفر بمحبوبه الأعلى وهو الله سبحانه وتعالى، قال ابن القيم رحمه الله تعالى: لقد كان يسبي القلب في كل وليلة ثمانون بل تسعون نفساً وأرجح يهيم بهذا ثم يألف غيره ويسلوهم من فوره حين يصبح فلما دعا قلبي هواك أجابه فلست أراه عن خبائك يبرح فالشاهد أن القلب لا يمكن أن يسكن ويستقر إلا إذا وصل إلى الله سبحانه وتعالى، واستغنى بالله عما عداه، أما ما دون ذلك فلا يقنع؛ لأنه سريع التحول والبحث، ففطرة الإنسان أنه دائماً يشعر بالافتقار إلى من يحتمي به ويلجأ إليه، يقول عز وجل:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ}[فاطر:١٥].
ولذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى بيتاً في نفس هذا المعنى: والفقر لي وصف ذات لازم أبداً كما الغنى أبداً وصف له ذاتي أي: كما أن من صفاته الذاتية الغنى أبداً، كذلك العبد من صفاته الذاتية من حيث لا يمكن أن يكون إنساناً إلا إذا كانت فيه هذه الصفة وهي الفقر أبداً.
فالإنسان كما ذكرنا فيه غريزة الاحتياج والافتقار والضعف والطلب ممن هو أغنى منه، أو ممن هو أقوى منه فهو يطلب منه الحماية والمال والرزق والعافية والأمان وغير ذلك، فالصلاة نفسها هي عبارة عن استجابة لهذه الغريزة الفطرية الموجودة في الإنسان.